المشهد الكامل.. ما بين النقابة العامة لأطباء الأسنان والأطباء
جلست اليوم في لقاء علمي مميز تابع لنقابة أطباء أسنان مصر، وكان هذا اللقاء مختلفًا بالنسبة لي على المستوى الشخصي والمهني، لا فقط لأنه احتوى على معلومات علمية رفيعة، بل لأنه جاء في وقت نحن - أطباء الأسنان الجدد - نحتاج فيه لأي مساحة حقيقية نتعلم فيها، ونفهم من خلالها ملامح الطريق الذي سنسير فيه، كوني طبيب أسنان في بداية حياتي، ما زلت أتلمس أولى خطواتي، أحاول أن أُشكّل خبرتي، وأبني لنفسي قاعدة علمية قوية، لذلك كان لهذا اللقاء وقع خاص بداخلي، لأنه منحني إحساسًا بالاتصال بالمهنة، وإدراكًا أن العلم ما زال قادرًا على أن يفتح أبوابًا جديدة مهما كانت التحديات.
كان أكثر ما أثار إعجابي خلال الجلسة العلمية المحاضرة الممتلئة التي قدّمها الدكتور أحمد الشريف، أستاذ جراحة الوجه والفكين بجامعة طنطا، على مدار اليوم، لم يكن مجرد عرض لمحتوى طبي أو مجموعة معلومات متتالية، بل كان فتحًا لباب واسع من الفهم الحقيقي لطب الأسنان كعلم يتجاوز حدود الفم ليصل إلى تعقيدات الوجه والفكين، وتداخل العضلات والعظام والأوعية والمخاطر والحلول.
حديثه كان مُلهِمًا، منظمًا، ومليئًا بخبرة سنوات طويلة تحولت بين يديه إلى معرفة عميقة سهلة الهضم، شعرت في كثير من اللحظات وكأنني أتعلم لأول مرة، وكأن الخريطة التي كانت ضبابية داخل ذهني بدأت تكتسب الخطوط الرئيسية التي تربط أجزاءها معًا، هذه النوعية من اللقاءات تجعل الطبيب الشاب يشعر بأن الزمن الذي قضاه في الدراسة ليس سوى بداية صغيرة جدًا داخل عالم واسع ينتظر أن يُكتشف.
وبجانب القيمة العلمية التي خرجت بها، كان لي خلال اليوم فرصة للجلوس مع الدكتور محمد علاء، أمين عام نقابة أطباء أسنان مصر، كانت جلسة تختلف في طبيعتها عن جو المحاضرات، تحمل طابعًا إنسانيًا ومهنيًا في آنٍ واحد، حديثنا دار بطبيعة الحال حول قضية تشغلني وتشغل أكثر من 12 ألف طبيب من دفعة 2023 - قضية التكليف - وهي قضية ترتبط بمستقبلنا، ومسارنا، وبناء خبرتنا، قبل أن تكون مجرد قرار إداري أو ورقي.
ما لفت انتباهي في حديث الدكتور محمد علاء أنه لم يتحدث بمنظور صاحب منصب، أو مسؤول يتحدث من خلف مكتب، بل بمنظور الزميل والصديق والإنسان، كان يستمع أكثر مما يتكلم، ويحلل أكثر مما يرد، وهذا النوع من الحوار يترك أثرًا داخليًا على من يتلقاه.
لم ألمس فقط اهتمامًا بالقضية، بل فهمًا عميقًا للواقع الذي نعيشه كأطباء حديثي التخرج، كان يدرك تمام الإدراك أن التكليف ليس رفاهية، ولا ميزة إضافية، بل ضرورة مصيرية للتعليم والتدريب والاحتكاك المباشر بالواقع، واكتساب المهارات العملية والمعملية التي لا يمكن أن تُبنى داخل الكتب والمحاضرات فقط. تحدث بنبرة من يعرف حجم الفجوة التي يمكن أن يعيشها الطبيب إذا خرج إلى السوق بلا تدريب كافٍ، وبلا مؤسسة تحمله في سنواته الأولى، وهذا ما جعل الحوار أكثر واقعية وصدقًا.
ووسط هذا الحديث، أدركت أننا—كأطباء أسنان—لا يمكن أن ننظر إلى النقابة باعتبارها جهة قائمة بذاتها منفصلة عنا، ولا يمكن أن نضع اللوم الكامل على كاهلها، ولا أن نُغفل دورها في الوقت ذاته، النقابة ليست مبنى ولا مجلسًا فقط، بل كيان واحد يجمع أعضاءه وممثليه، وكل طرف فيه له مسؤولية، وله دور في السعي للسمو بالمهنة، وفي الحفاظ على حقوق الأطباء، وفي فتح مسارات جديدة تحقق العدالة والكرامة للجميع، إن نجاح النقابة لا يكون بعمل طرف واحد، بل بتكامل الأطراف الأعضاء، والمجلس، والاتحاد، ومن يسعى، ومن يطالب، ومن يعمل، ومن يدعم.
خرجت من هذا اليوم بشعور مختلف، مزيج من الامتنان للعلم الذي تعلمته، والاطمئنان لأن هناك من يسمع صوتنا فعلًا، والأمل بأن الطريق - مهما كان صعبًا - يحمل دائمًا علامات مضيئة لمن يبحث عنها، لقد علّمني هذا اليوم أن العلم وحده لا يكفي، وأن الحوار وحده لا يكفي، ولكن اجتماع الاثنين معًا قادر أن يصنع تغييرًا حقيقيًا في مستقبل طبيب شاب يقف اليوم على بداية الطريق، ويطمح أن يجد لنفسه موضعًا في مهنته بكل كرامة واجتهاد.


