السقا شهامة لا تُكسر
دخل الفنان أحمد السقّا على خط الأزمة الأخيرة التي طالت محمد صلاح نجم ليفربول الإنجليزي بعد حالة الجدل الواسعة التي أحاطت بعلاقة اللاعب بمدربه الهولندي أرني سلوت، ورغم أن الأزمة كادت تهدأ بعد جلسة مصارحة جمعت الطرفين وأعادت صلاح إلى قائمة مباراة برايتون، فإن فيديو السقّا الداعم لصلاح فجّر موجة جديدة ولكن من نوع مختلف عاصفة من السخرية والتنمر.
أنا من مواليد الثمانينيات ونشأت على مشاهدة أفلام أحمد السقّا، الفنان الذي عرفته على المستوى الشخصي منذ أن كان عمري لا يتجاوز الخامسة عشرة ومن يعرفه حقا يدرك أنه فنان صنع تاريخه بموهبته وصعد بجهده وفرض اسمه بتواضعه وحبّه للناس. يكفي أن اسمه أصبح في الوجدان الشعبي مرادفا للأكشن والجدعنة فإذا أظهر أحدهم شجاعة أو موقفا نبيلًا نقابله بعبارة “إيه يا عم… فاكر نفسك السقّا؟” فأصبح اسمه رمزا للجرأة والشهامة.
ورغم النجومية الكبيرة يبقى السقّا هو الفنان الوحيد الذي لا يعرف حجم نجوميته فهوا إنسان عفوي، بسيط، طيب، لا يحمل في قلبه ضغينة لأحد ولهذا لم يكن غريبا أن يخرج في فيديو عاطفي بغض النظر عن شكل ومحتوى الفيديو فحين رأى صورة لمحمد صلاح وهو يبكي شعر بالضيق فقرر أن يتحدث من قلبه.
ظهر السقّا في مقطع مصوّر موجها رسائل مباشرة لإدارة ليفربول وجماهير النادي مذكّرا بما قدّمه محمد صلاح خلال السنوات الثماني الماضية تحدّث بالإنجليزية ليس طلبا للشهرة ولا سعيا للتريند بل لأنه أراد أن تصل رسالته لمن يملك القرار هناك.
السقا نفسه حكى ما جرى في مداخلات تليفزيونية مع أحمد حسن وعمرو أديب مؤكدا أن الفيديو كان بدافع الإخلاص وحقق الفيديو انتشارا واسعا ثم اختفى فجأة من حساباته دون أن يحذفه قبل أن تتوالى موجات السخرية.
السقّا نفسه لا يمانع الدعابة ولا السخرية بنكهتها المصرية المحببة لكن ما تعرّض له تجاوز الحدود
شتائم، تجريح، إهانات له ولأسرته وكأن الرجل ارتكب جريمة لا مجرد فعل دعم وطني من شخص ابن بلد وجدع.
ورغم كل ذلك اختار أن يسامح لم يستغل مكانته لم يلوّح بالقانون ضد كل من تجاوز معه بشكل قد يعاقب عليه القانون، وهذا الموقف وحده كافٍ ليكشف حجم الإنسانية والتسامح التي يتحلى بها السقّا ومدى اتساع قلبه رغم التطاول والتجريح.
يكمن السؤال الحقيقي كيف وصل بنا الحال إلى أن نُهاجم من يحاول دعم ابن بلده؟ كيف نصبح مجتمعا يكافئ الشهامة بالسخرية والنوايا الطيبة بالإهانة؟ ما حدث مع السقّا كشف عمق الأزمة بشغف غير مفهوم بالتجريح ورغبة في الهجوم والتنمّر بلا حدود الذي أظهر خللا يحتاج إلى معالجة جذرية.
فحين يصبح الدفاع عن مظلوم نقطة ضعف وحين يُعاقَب من يجهر برأيه وبالذات إذا كان شخص مشهور فإن المشكلة لم تعد في فيديو بل في ثقافة بدأت تنحرف عن مسارها.
كلمة حق يجب أن تُقال أحمد السقّا لم يدافع عن صلاح بحثا عن شهرة فهو لا يحتاج إلى ذلك ولم يقصد إحراج أحد أو إثارة الجدل تحرّك فقط من قلبه لأن إنسانا رآه يبكي ربما كان الفيديو بسيطا لكن النية كانت نقية لذا دعونا نتوقّف قليلًا ونفكر.
هل أصبح فعل الخير مدعاة للتنمّر والتجريح؟ هل باتت الشهامة والجدعنة تُهاجَم بحجة أن الفيديو لا يرتقي لمستوي طموح الجمهور!! كفانا عبثا.
ما نحتاجه اليوم هو نظرة أعمق، وقلب أوسع، وقليل من الاحترام لمن حاول أن يقول كلمة حق في زمن أصبح الصمت فيه أكثر أمنا.
وسط كل ما شهدناه من موجة تنمّر قاسية طالت أحمد السقّا لمجرد كلمة دعم قالها بصدق، يبرز سؤال بالغ الأهمية هل آن الأوان أن نراجع بجدية ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل من المقبول أن تتحول هذه المنصات إلى ساحات لتصفية الحسابات، والاعتداء اللفظي، وإهانة الآخرين دون رادع؟.
ربما حان الوقت لتبنّي أفضل الممارسات الدولية مثل التجربة الأسترالية التي اتخذت قرارا جريئا بمنع استخدام مواقع التواصل لمن هم دون السادسة عشرة حمايةً لصحتهم النفسية ومنعا لانتشار خطاب الكراهية والتنمر وربما يجب أن نطرح سؤالًا أكثر جرأة هل حان الوقت لإعادة النظر في تطبيقات أصبحت معملًا لإنتاج العنف اللفظي والسلوك العدواني وعلى رأسها “تيك توك”؟.
إن استمرار هذا الانفلات الأخلاقي لن يضر السقّا ولا أي شخصية عامة بقدر ما سيضر جيلًا كاملًا ينشأ على أن السخرية بطولة، وأن الإهانة رأي.
وفي النهاية، لا يسعني إلا أن أقول للفنان الكبير أحمد السقّا ستظل دائما أجدع وأنقى وأصدق من أن تطالك سهام التنمّر مكانتك محفورة في قلوب المصريين منذ سنوات طويلة لم تصنعها فيديوهات ولا تريندات، بل صنعتها مواقفك، شهامتك، إنسانيتك، وتاريخك الذي لا تشوبه شائبة.
وما حدث من بعض الأشخاص لا يعكس قيم مجتمع بأكمله بل يعكس خللًا عابرا لدى قلة لا ترى في الأشياء إلا الجانب الأسهل جانب السخرية والتطاول، لقد كنت وستظل رمزا للجدعنة المصرية الأصيلة وتظل النوايا الطيبة أعلى قدرا من كل ضجة مؤقتة.


