الثلاثاء 16 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

من كُتّاب القرية إلى شاشات الميديا.. كيف ضاع الإنسان في زحام الحداثة؟

القاهرة 24
مقالات
الإثنين 15/ديسمبر/2025 - 10:30 ص

في زحام الحياة الحديثة، ضاعت أشياء كثيرة لم ننتبه إلى غيابها إلا بعدما أصبحت ذكرى، في ريف مصر والصعيد الجواني، نشأنا في زمن بسيط الملامح عميق القيم، حيث كان “الكُتّاب” أول بوابة للعلم، وحفظ القرآن أساس التربية، والمشي إلى المدرسة رحلة يومية تصنع الجسد والروح معًا. كانت المدارس مجانية، والمعلم حاضرًا بهيبته ودوره، يعلّم قبل أن يُدرّس، ويُربي قبل أن يُقيّم، فصنع هذا المناخ أجيالًا خرج منها أطباء ومهندسون وعلماء ومبدعون وفنانون وكتّاب صاروا علامات مضيئة في مجالاتهم.

كنا أطفالًا نعود من المدرسة إلى الحقول، نعمل ونلعب في آنٍ واحد، نساعد أهلنا في الزراعة، ونتعلّم معنى المسؤولية دون خطبٍ أو شعارات. بين أشجار النخيل تعلّمنا منها السمو والعطاء؛ فالنخلة كانت مدرسة صامتة، تعطي بلا ضجيج، وتعلّم بالصبر والارتفاع والثبات.

بين الأمس واليوم مقارنة موجعة،أمسٌ كان التعليم فيه رسالة، واليوم صار عبئًا.أمس كان المعلم قدوة، واليوم غاب أو غُيِّب.أمس كانت المدرسة فضاءً لبناء الإنسان، واليوم أصبحت في كثير من الأحيان مبنى كئيبًا بلا روح، أمس كان العمل المبكر يزرع الانتماء، واليوم صار الفراغ سيد الموقف.

اليوم تغيرت المعابر والقيم والظروف المعيشية، وتسارعت الحياة على نحوٍ لم يُمهل الإنسان ليلتقط أنفاسه. انحدر التعليم، وتراجع دوره في بناء الوعي، فخرج جيلٌ في جزءٍ منه غير قادر على العطاء، مجرد من الإحساس بالمسؤولية، فاقد للبوصلة القيمية. جيل تحاصره مغريات العصر، وتتحكم فيه التكنولوجيا الحديثة، حتى بات في أحيان كثيرة دمية تحرّكها الميديا كيفما شاءت.

النتيجة أرقام بلا روح

مع هذا التحوّل، كثرت الجرائم، وارتفعت معدلات البطالة، وصار الفراغ سهمًا موجّهًا إلى صدور الشباب، يدفع بعضهم إلى الإدمان، وبعضهم إلى السرقة والعنف والقتل. لم تعد المشكلة في الفقر وحده، بل في الفقر القيمي والتربوي، وفي غياب مشروع حقيقي يعيد للإنسان المصري، خاصة في الريف والصعيد، ثقته بنفسه ودوره في الحياة.

لسنا دعاة عودة إلى الوراء، ولا رافضين للحداثة، لكننا نطالب بوقفة نقدية صادقة كيف نأخذ من الماضي روحه وقيمه، ونوظّف الحاضر بأدواته دون أن نفقد إنسانيتنا؟ فالأمم لا تُقاس بسرعة تطورها فقط، بل بقدرتها على حماية الإنسان من الضياع وسط الزحام.

تابع مواقعنا