المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة: الفتوى الطبية مطالبة بالجمع بين مقاصد الشريعة والكشوف العلمية الحديثة
عُقدت الجلسة العلمية الثانية، ضمن فعاليات الندوة الدولية الثانية التي تنظمها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت عنوان: "الفتوى ودورها في ضوء المعطيات الطبية والمعرفية الرقمية.. رؤية مقاصدية".
جاء ذلك برئاسة سماحة الشيخ أحمد النور الحلو مفتي تشاد، وبمشاركة الأستاذ الدكتور محمود صديق نائب رئيس جامعة الأزهر معقبًا، حيث شهدت الجلسة عرض عدد من الأوراق البحثية التي تناولت علاقة الفتوى بقضايا الواقع الإنساني، ولا سيما المستجدات الطبية والمعرفية المعاصرة.
استهلت الجلسة بعرض بحث الدكتور محمد بشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي وعضو الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والذي أكد أن الفتوى في زمن التحول الطبي الحديث تواجه اختبارًا مزدوجًا يتمثل في اختبار المنهج واختبار القيم، فهي مطالبة بأن تظل وفية لمقاصد الشريعة في حفظ الإنسان، وفي الوقت ذاته تكون قادرة على استيعاب الكشوف العلمية الجديدة دون الوقوع في أَسْر المنطق الوضعي أو الذرائعية الأخلاقية التي تجرد الإنسان من سمو غايته.
وبيَّن أن الطب المعاصر، وهو يعيد تعريف مفاهيم الميلاد والموت والهوية الجينية، يضع المفتي أمام واقع تتجاوز فيه الأسئلة الحدود المألوفة للقياس الفقهي، ليصبح تحقيق المناط متعلقًا ببنية الخلق ذاتها وأصل الجينوم البشري وأثر التداخل بين الطبيعة والصناعة في تشكيل الكيان الإنساني.
المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة: الفتوى الطبية مطالبة بالجمع بين مقاصد الشريعة والكشوف العلمية الحديثة دون التفريط في القيم الإنسانية
وأوضح دكتور بشاري أن الإشكالية الجوهرية للبحث تتمثل في كيفية تفاعل المنهج الأصولي المقاصدي مع هذا الواقع الجديد الذي تتداخل فيه المختبرات مع النصوص، والعلم التجريبي مع مقاصد الوحي، دون أن يفقد الفقه استقلاله المعياري أو انضباطه القيمي، مؤكدًا أن تأسيس منهج اجتهادي جديد يعيد للفقه الإسلامي قدرته على فهم العالم وتوجيهه، ويؤكد أن الفتوى الطبية يجب أن تظل صوتًا للإنسان في مواجهة الانزلاق التقني، بما يحفظ النفس والكرامة، وينتهي إلى أن الْتقاء العلم والشرع على مقصد حفظ الإنسان يصنع حضارة قوامها الرحمة والعقل والعدل.
من جانبها، قدَّمت الدكتورة نشوى أنور محمد رضوان، مدرس الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بكفر الشيخ – جامعة الأزهر، بحثًا تناول التحديات التي تفرضها الخصوصية الجينية على الفتوى المعاصرة، حيث استهدف البحث التكييف الفقهي المقارن لبيانات الحمض النووي (DNA) وتحديد أحكام حُرمتها.
وتناول البحث ماهية المعلومة الجينية في الفقه المقارن، وما إذا كانت تُعد سرًّا أو أمانة أو حقًّا شخصيًّا، مع تأصيل حرمتها في ضوء قواعد حفظ العورات وتحريم التجسس.
وبيَّنت الباحثة أن الدراسة وضعت ضوابط شرعية للفتوى تحمي الفرد من التمييز الوراثي، وتحدد أحكام المسؤولية والضمان المترتبة على الإفشاء غير المشروع، معتمدة على المنهج التحليلي المقارن لاستقراء فروع المذاهب الفقهية وتطبيقها على المعطيات الطبية الحديثة.
وخلص البحث إلى أن المعطيات الجينية تعد سرًّا شرعيًّا ذا حرمة معنوية لا يجوز انتهاكها إلا بإذن مستنير ومقيد، وأن الفتوى المعاصرة مطالبة بإلزام المؤسسات بضمان هذه الحرمة، بما يحقق مقاصد الشريعة في حفظ النفس والكرامة الإنسانية.



