الجمعة 19 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

البيع بـ اسم الدين.. سبوبة الإعلام بواسطة شيوخ كومبارس وقنوات تحت بير السلم

سقيا الماء
فن
سقيا الماء
الجمعة 19/ديسمبر/2025 - 06:56 م

في لحظة يمتزج فيها الإيمان بالعاطفة، وتستدعى الرحمة عبر الشاشة، يظن المشاهد أنه يشارك في عمل خيري خالص لا تشوبه شبهة. غير أن ما لا يعرض أمام الكاميرا قد يكون أكثر تعقيدا مما يبدو؛ فخلف الآيات المتلوة ودموع المحتاجين، تنشط شبكات مالية وإعلامية تحسن توظيف الدين والخطاب الإنساني لتحقيق مكاسب طائلة، في هذا التحقيق يفتح الملف المسكوت عنه، كاشفا كيف تحول بعض العمل الخيري من رسالة إنسانية إلى تجارة تدار باحتراف، وتستثمر فيها مشاعر الناس وثقتهم باسم الخير.

في هذا العالم، لم يعد السؤال: كيف نساعد المحتاج؟، بل أصبح كيف نصنع فقرة مؤثرة تحقق أكبر عائد من التبرعات؟

تجارة الفقر على الهواء

داخل بعض الاستوديوهات التليفزيونية، تجلس فرق إنتاج جاهزة لاستقبال ممثلين عن جمعيات خيرية، مصدر إعلامي مطلع داخل مدينة الإنتاج الإعلامي لـ القاهرة 24، يوضح أن هذه الجمعيات لا تظهر على الشاشات بدافع الرسالة الإنسانية فقط، بل بعد اتفاقات مالية مسبقة مع برامج تعرف داخل الوسط باسم البرامج المباعة.

وأشار أن تكلفة الفقرة الواحدة تتراوح بين 15 و50 ألف جنيه، بحسب توقيت العرض ونسبة المشاهدة، أما الشيوخ والدعاة، فيتقاضون أحيانا مبالغ تتراوح بين 3 و10 آلاف جنيه، حسب شهرتهم وقدرتهم على التأثير في المشاهد.

وبطريقة ما، يتحول الفضول البشري وحب الخير إلى آلة إنتاجية دقيقة، مصممة لجمع الأموال عبر القصص المؤثرة، حتى وإن كانت مفبركة جزئيا أو مبالغا فيها.

صورة من التقارير التي يتم عرضها في البرامج لاستعطاف المشاهدين
صورة من التقارير التي يتم عرضها في البرامج لاستعطاف المشاهدين

كواليس الفقر المفبرك

في الاستوديوهات، يحضر كل شيء بعناية. أحد معدي البرامج التي تظهر فيها هذه الجمعيات، يروي لـ القاهرة 24 ما يحدث خلف الكاميرات، قائلا: كل أسبوع تشتري الجمعية فقرة، ويأتي مسؤول الجمعية مع الشيخ، نعرض ثلاثة تقارير من نوعية مريض، بيت بلا سقف، أو عائلة بلا بطاطين ثم يبدأ الشيخ بتحفيز الناس على التبرع، ثم يظهر التقرير، وبعده تعليق مؤثر، لكن الحقيقة أن بعض الحالات مبالغ فيها، وبعضها الآخر مفبرك تماما لشد المشاهد.

شيوخ كومبارس وقنوات تحت بير السلم

أحد الشيوخ تحفظ على ذكر اسمه، وهو من الشيوخ الذين انسحبوا لاحقا بعد اكتشاف الواقع يقول لـ القاهرة 24 إن تكلفة الفقرة تصل إلى 50 ألف جنيه، تتجاوز التبرعات أحيانا المليون جنيه، المال متوفر، لكن بدل أن يذهب مباشرة للمحتاجين، ينفق على إنتاج الفقر، وإقناع الجمهور بأنه يدعم قضية إنسانية.

صورة من فيديو لشيخ يحس المشاهدين على التبرع 
صورة من فيديو لشيخ يحث المشاهدين على التبرع 

وأوضح: في الغالب، تجمع التبرعات نقدًا، عبر مندوبين يحملون إيصالات ورقية باسم جمعيات غير موجودة قانونيا، أو تحمل اسم البرنامج نفسه، دون ختم رسمي أو مقر معلوم.

في زوايا بعيدة من شاشات التليفزيون، توجد قنوات فضائية محدودة الانتشار، تفتح لأي جهة قادرة على الدفع، دون أي ضوابط. في هذه القنوات، يظهر شيوخ يوصفون في الوسط الإعلامي بـ الكومبارس، يكررون نفس الحركات، دعوة، بكاء، تلاوة آيات، ثم إعلان أرقام التبرعات.

صورة من تقرير تم عرضه في أحد البرامج المباعة
صورة من تقرير تم عرضه في أحد البرامج المباعة
صورة من تقرير تم عرضه في أحد البرامج المباعة
صورة من تقرير تم عرضه في أحد البرامج المباعة
صورة من تقرير تم عرضه في أحد البرامج المباعة
صورة من تقرير تم عرضه في أحد البرامج المباعة

فوضى حملات سقيا الماء وحفر الآبار

أحد أكثر أشكال الاستغلال وضوحا، حملات صدقة سقيا الماء. يتسابق المتبرعون تحت شعارات مؤثرة مثل أسرع يا مؤمن، دون معرفة وجهة الأموال أو معايير التنفيذ.

وتبين لنا من منشور لأحد المتبرعين، قال فيه: اعترضت على طريقة حفر البئر، قالوا لي: بعد ما ننتهي ونمشي، حلال عليك التنك والموتور وشيل كل اللي عملناه، مؤكدا أن الموقف يعكس غياب الرقابة، وتحول المشروع إلى وسيلة دعائية لجمع الأموال، بدلا من كونه عملا خيريا حقيقيا.

منشور على فيسبوك لمواطن يستغيث من نصب سقيا الماء
منشور على فيسبوك لمواطن يستغيث من نصب سقيا الماء

آلية احتيال بلا رقابة

جمع التبرعات نقدا، دون أي حسابات رسمية أو تقارير مالية، يفتح الباب واسعا أمام الاحتيال، الإيصالات الورقية تمنح المتبرع شعورا زائفا بالأمان، بينما الحقيقة أن الأموال خارج أي إطار رقابي، والنتيجة واضحة ماكينة إعلامية تجمع الملايين، دون ضمان وصولها إلى مستحقيها، ودون مساءلة حقيقية، بينما يبقى المواطن البسيط ضحية الشعور بالواجب الديني.

هذه الممارسات لا تقتصر على سرقة الأموال فقط، بل تضرب الثقة بالعمل الخيري نفسه، المواطن الذي يكتشف الخداع قد يتوقف عن التبرع، ما يضر الجمعيات الجادة التي تعمل بشفافية، ويفرغ مفهوم الصدقة من معناه الحقيقي.

بين نداءات الخير ودموع الشاشات، تدار أحيانا لعبة، يستغل فيها الدين ويباع فيها الفقر، وتشترى فيها الدقائق التلفزيونية بآلام الناس، هذا السرد لا يهاجم العمل الخيري نفسه، بل يطالب بإعادته إلى جوهره الحقيقي وهو الشفافية، والصدق، وخدمة الإنسان دون مقابل.

وفي ظل تزايد المحتوى الديني والإعلاني على الشاشات، تصبح مسؤولية القنوات الفضائية أكبر من مجرد ملء ساعات البث، ففتح الهواء لفقرات تدار بمنطق السبوبة، ويستعان فيها بشيوخ كومبارس وقنوات تعمل خارج أي إطار مهني أو قانوني، لا يسيء فقط لصورة الإعلام، بل يضرب ثقة الجمهور ويحول الرسالة إلى ابتذال، إن الامتناع عن استقبال هذا النوع من الفقرات لم يعد خيارا، بل واجبا مهنيا وأخلاقيا، يحمي قدسية الخطاب الديني، ويصون دور الإعلام كمنصة وعي لا كوسيط تجارة.

تابع مواقعنا