الإثنين 22 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

وزراء تحت الوصاية

الأحد 21/ديسمبر/2025 - 04:51 م

الجميع يترقب الحكومة القادمة، وكالمعتاد توقعات وتحليلات وأمنيات، يدهشها الأمر الواقع الذي يأتي محملا بدفقة من المفاجآت والصدمات.

ربما لم تشهد السنوات الماضية رضا عن الحكومات المتتالية، لا من النسق الأعلى للدولة ولا من المواطن ولا من الحكومة نفسها وهي ترصد صورتها في الشارع، فالجميع يدرك مدى السخط الشعبي، ومساحة السخرية من مصطلحات "الصب في المصلحة" وأشباهها من مفردات الخطاب الحكومي التي تتكرر فكأنها تؤكد على معنى "النكتة" ولا تنفيها.

وحتى التذرع بالحرب الروسية الأوكرانية وبجائحة كورونا وبالسابع من أكتوبر، بدت كلها أسباب مخلقة ومستدعاة، رغم اليقين في تأثيرها المباشر على البلاد، لأنها بدت كحجج وذرائع غير مترابطة في خطاب تبريري غير متماسك، بأكثر مما بدت خطاب دولة يشرح ويفسر ويخطط.

إلى حد باتت معه الأحداث العالمية أيا كان موقعها على الخريطة، متقاطعة معنا ومؤثرة علينا بصورة مباشرة، سواء في نيبال أو المكسيك، النرويج أو زامبيا، أو هكذا شاعت النكات وذاعت ضد الحكومة.

والأزمة ليست في السخرية، فهي مسار تنفيس تلجأ إليه النفس البشرية في أحيان كثيرة لمواجهة ضغوط الأمر الواقع، ولا بد لكل مواطن مهزوم باحتياجاته المتصاعدة أمام ظرف قاسٍ، أن يتوجه بإحباطه على هيئة طاقة عدوانية ضد أحد، الحكومة أو سواها.

بل ربما كانت السخرية، كقرينة غضب، هي الضمانة الوحيدة ألا يتحول الغضب من مجرد غضب إلى غضب جارف وعنيف، فلا بد من تنفيس، هكذا النفس البشرية، وهكذا الواقع المأزوم.

لكن ما يزكي أوار الأزمات ويسكب المزيد من البنزين على نيران الأحداث، في مرات كثيرة، هو تصريحات المسؤولين وطريقة تعاطيهم مع الأحداث، فقد تحول المسؤولون للمرة الأولى، إلى صُناع أزمات بامتياز، بدلا من احتواءها وتذويبها وحلها.

جربنا في الاختيارات الوزراء التكنوقراط، أي الفنيين المتخصصين في ملفاتهم دون خلفية أو إدراك سياسي بالضرورة، وجربنا الوزراء المسيسين، وجربنا كوادر الدولة من داخل المؤسسات المختلفة، وجربنا خيارات من التي تُصنف بأنها "خارج الصندوق".. جربنا كل شيء تقريبا، وما يرضي من الإجمالي العام لم يكن إلا أقل القليل.

إلى حد بات معه الجهاز الحكومي منقسما بين وزراء فاعلين وحاضرين، إيجابا وسلبا، وبين وزراء خاملين أو مختبئين، ووزراء يبدو أنهم تحت الوصاية!

سواء وصاية المشورة أو وصاية محاولات اللملمة وراء الأزمات التي تتخلق على ضفاف تحركاتهم وتصريحاتهم وقراراتهم.

وليس هناك دولة بوسعها تخليق دولة داخل الدولة لمراقبة أداء الدولة، لكننا فعلناها بامتياز، دولة ظل من مستشارين ومؤسسات ونصحاء وبعض الشخصيات النافذة، تسعى لاحتواء الأزمات أو منع حدوثها، أو تلقين المسؤولين وتفهيمهم ما لا يفهمون من توجهات رئيس الدولة.

وهو جهد هائل في ظل الأمر الواقع الذي بات شحيحا في قدرته على توفير الشخصية العامة الراشدة، ذات الدراية التقنية والسياسية، نزيهة اليد معتدلة التكوين النفسي.

لكن هل الأمر الواقع شحيح فعلا كما جربنا، أم أن دوائر الاختيار والانتقاء المعتادة هي التي تفرز مثل هذه الخيارات؟

قد تقول لي ألم نجرب ما هو خارج الصندوق وتوسعنا في كل روافد الانتقاء؟ أقل لك جرى توسع بالفعل لكن بنفس المعايير القديمة، لذا لم نحصد من كل دائرة جديدة سوى على مرشح جديد بمواصفات الطريقة القديمة!

في الكواليس يُقال إن الدولة منفتحة على كل الاختيارات، لدرجة فحص عشرات المرشحين في بعض الحقب الوزارية للخلوص لشخص واحد فقط يمكنه تحمل المسؤولية.

هي تريد أي شخص بمقدوره النجاح وخفض مستوى الأزمات واحتواء المشاكل، أو على أقل تقدير ألا يتحول المسؤول إلى مشكلة في حد ذاته.

ليس هناك شهوة محاصصة سياسية أو الحرص على وجود تمثيل لتيار سياسي أو توجه بعينه داخل جهاز الدولة، فقد بات الأمر الواقع هجينا من كل شيء، ولم يعد هناك تيار سياسي متماسك يمكنه أن يرفد الرأي العام بكفاءات محتملة في مجالات عدة.

الدولة نفسها ليس لديها ميل جذري لنمط بعينه، هي تريد فقط من يمكنه الإدارة دون قلاقل، مسؤول كل مواصفاته إن لم يكن للدولة فلا يكن عليها.

وهي أجواء شديدة الحساسية بالنسبة للجميع، يجتهد فيها هؤلاء وأولئك، ولا أحد بمقدوره المغامرة، فمن سيتحمل كلفة الترشيح غير الموفق؟

والدولة بوجه عام مرهقة في ملفات، ومتألقة في أخرى، وما تزال تبحث عن أدوار مختلفة وأداءات غير تقليدية في ملفات ثالثة.

التهديدات على مستوى استراتيجي غير مسبوق من كل البقاع اللاهبة في الإقليم، وكل الملفات باتت حرجة ومتقاطعة مع أبعاد أكبر مما هو معتاد منذ عقود، ولا يوجد ملف واحد مهما كان بسيطا ومنزويا ومحليا إلا وهو قابل للاشتعال فجأة والتقاطع مع أزمة إقليمية أو حدث عالمي.

دولة تريد أن تتنفس الصعداء وتنطلق للأمام، وتواجه تحديات هائلة وتتحسب لأمر واقع ملآن بالنُذر، قادم بعد سنوات قلائل، لكنها لا تجد من يمكنهم تحمل مسؤولية المواجهة على كل الجبهات.

ربما طريقة الاختيار بحاجة لتغيير، وبوتقة الاختيار، ومنطق إدارة الحكومة أيضا.. حفظ الله هذا الوطن من شر عدوه وشر نفسه.

تابع مواقعنا