عيد ميلاد مجيد
المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة.
الكتابة عن سيدنا عيسى تحتاج إلى الكثير من الكتب وليس مقالًا، فالقصة تبدأ من قبل ميلاده وما زالت مستمرة، لكن دعونا نغوص سريعًا في تلك الأيام المباركة لنتذكر يوم مولده المبارك عليه السلام.
فجده كان من أئمة الله الصالحين العابدين، وكرمه القرآن بسورة كاملة تحمل اسمه (عمران)، وجدته لأم من نسل سيدنا داود عليه السلام (حنة)، التي نذرت ما في بطنها لخدمة الله وعبادته، وكانت تتمنى أن تكون ابنتها هي العذراء حتى خُطبت إلى يوسف النجار فتبخر حلمها، لكن الله منَّ عليها واصطفاها واختارها لتكون أم المسيح.
وخالته زوجة سيدنا زكريا (أليصابات)، ووالدة سيدنا يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان).
ووالدته الطاهرة العفيفة الشريفة، سيدة نساء العالمين، العذراء البتول التي اصطفاها الله وطهرها (مريم ابنة عمران)، أطهر نساء العالمين، وفي القرآن الكريم سورة كاملة باسمها المبارك، يقول تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾.
ولما كانت مريم يتيمة فقد كفلها زكريا، ولازمت المعبد للعبادة حتى جاءها جبريل ليبشرها أنها ستلد غلامًا سيكون نبيًا ورسولًا، وحينما حانت ساعة الولادة انتبذت به إلى جذع النخلة، وفجر الله المياه من تحتها، وأمرها أن تهز النخلة فتساقطت عليها رطبًا طريًا، ثم حملت طفلها وعادت إلى أهلها بعد أن طمأنها الله من خوفها. فقد كثر الهمس والغمز عليها، وزكريا يدافع عنها وعن شرفها وعفتها، وتجلت قدرة الله بعد أن نصبوا لها المحاكمة، وأشارت إلى الطفل ليتكلم بلسان مبين ويسكت الألسن.
وقال تعالى في كتابه الكريم في سورة مريم: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.
للسيد المسيح في القرآن الكريم مكانة خاصة، فقد علمه الله سبحانه وتعالى الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وكان مباركًا حيثما كان، صفيًا نقيًا بلا خطيئة.
وقد أيده الله بمعجزات كثيرة ذكرها الله في محكم كتابه، فقد كان بأمر الله يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه (الأعمى) والأبرص والمرضى، ويعلم الغيب فينبئ بني إسرائيل بما يدخرونه في بيوتهم، كما أنه أنزل له مائدة من السماء بقدرة الله سبحانه وتعالى عندما طلبها الحواريون، وقد أيد الله سيدنا عيسى بكثير من المعجزات الأخرى.
وقد حظيت مصر وتشرفت بقدوم العائلة المقدسة هربًا من هيرودس، الذي كان يقتل الأطفال بحثًا عن الطفل ملك اليهود، وخوفًا على ضياع ملكه، بعد أن ذعره كلام المنجمين، وتلك قصة طويلة.
فقد وُلد المسيح في ظروف غاية في الصعوبة ما بين وحشية هيرودس وظلم الرومان، فكانت قصور الحكام تعج بالفساد والمجون والخلاعة، والفريسيون يرهقون الفقراء بحملات التفتيش، والحاخامات يدعون التقوى وهم أكثر الناس فسادًا وخروجًا عن شريعة موسى عليه السلام.
وعيسى يتفكر في خلق الله ويكثر العبادة والوحدة تقربًا إلى الله، حتى أمره الله بإبلاغ رسالته وعمره ثلاثون عامًا، فكان يجوب البلاد ويتحدث إلى الناس يأمرهم بأمر الله: أن اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا.
وقد صبر على أذى قومه وعنادهم، وجهل الكهنة ومحاربتهم له، واستمر في دعوته التي أسسها على السلام والمحبة، فهو القائل: «تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك، وتحب قريبك كنفسك»، فالله محبة، ونقل عنه حواريه وتلاميذه دعوته إلى البشرية.
ونحتفل كل عام بذكرى ميلاده المجيد، حيث تتزين البيوت بشجرة عيد الميلاد وزينتها، ويفرح الجميع صغارًا وكبارًا ابتهاجًا بيوم مولده.
فكل عام ونحن جميعًا بخير، وعيد ميلاد مجيد للجميع.


