الخميس 25 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

الملك لير.. مأساة الإنسان حين يخسر الأوفياء

الأربعاء 24/ديسمبر/2025 - 05:45 م

تُعد مسرحية الملك لير لوليام شكسبير واحدة من أعظم الأعمال التراجيدية في الأدب العالمي، لما تحمله من عمق إنساني وصراع نفسي يكشف هشاشة الإنسان أمام السلطة والعاطفة والغرور.

كُتبت المسرحية في مطلع القرن السابع عشر، لكنها ما زالت حاضرة بقوة في وعينا المعاصر؛ لأنها تتناول أسئلة خالدة عن العدل والوفاء والعائلة ومعنى الحكمة في الشيخوخة.


‎تحكي المسرحية قصة الملك لير الحاكم العجوز، الذي يقرر أن يتنازل عن عرشه لبناته الثلاث قبل موته، ويشترط أن تعلن كل واحدة منهن مقدار حبها له ليمنحها نصيبها من المملكة وفقًا لهذا الحب؛ تتبارى الابنتان الكبرتان، غونيريل وريغان في المبالغة بالكلام المعسول، بينما ترفض الابنة الصغرى كورديليا حالة النفاق وتعبّر عن حبها بصدق وبساطة؛ الأمر الذي يغضب الملك من موقفها!! فيحرمها من الميراث وينفيها مكافئًا الكذب ومعاقبًا الصدق.

‎منذ هذه اللحظة يبدأ سقوط الملك لير؛ فالبنتان اللتان أغدق عليهما السلطة سرعان ما تنقلبان عليه وتجرّدانه من كرامته وتدفعانه إلى الجنون والتشرّد في العراء، وهنا يرسم شكسبير صورة مؤلمة لإنسان فقد كل شيء، العرش والعائلة وحتى توازنه العقلي، فالجنون في المسرحية ليس ضعفًا فقط بل وسيلة لاكتشاف الحقيقة إذ لا يرى لير أخطاءه إلا بعد أن يخسر سلطته.

‎إلى جانب قصة لير، يقدم شكسبير خطًا دراميًا موازيًا، من خلال شخصية غلوستر وابنيه إدغار وإدموند، ليؤكد الفكرة نفسها، حين يُكافأ الخداع ويُقصى الصدق تكون النتيجة الخراب، وتتقاطع القصتان لتصنعا عالمًا قاسيًا تغيب فيه الرحمة وتتحكم فيه الأنانية والطموح الأعمى.

‎لغة المسرحية قوية، لكنها إنسانية مليئة بالصور الشعرية والتأملات العميقة في طبيعة البشر، ومع ذلك فإن جوهر القصة بسيط وقريب من القارئ، أب أخطأ في فهم أبنائه فدفع ثمن غروره غاليًا، إن هذه البساطة هي ما يجعل “الملك لير” عملًا خالدًا قابلًا لإعادة القراءة والتأويل في كل زمان ومكان.

‎في النهاية لا يقدم شكسبير عزاءً سهلًا، فالمأساة تبلغ ذروتها بموت كورديليا رمز البراءة والصدق، في مشهد يترك القارئ أمام سؤال مؤلم ومحير: هل ينتصر العدل دائمًا؟ ربما لا لكن المسرحية تذكّرنا بأن الحكمة الحقيقية لا تأتي من السلطة أو القوة، بل تأتي من التواضع وأن الحب الصادق لا يحتاج إلى كلمات كبيرة.

‎هكذا يبقى الملك لير مرآة تعكس ضعف الإنسان وتحذيرًا من الغرور، ودعوة صامتة للإصغاء إلى الحقيقة، حتى وإن جاءت بصوت خافت بعيييييييييييييييد.

تابع مواقعنا