من قيود الفراش إلى نبض الماكينات.. ذوو الإعاقة يصنعون الأمل داخل مصنع غزل الفيوم
وسط ضجيج ماكينات الخياطة والتطريز داخل مصنع الغزل والنسيج في محافظة الفيوم، لا يعلو صوت على صوت العزيمة.. هنا، لا يتوقف العمل، ولا تُقاس القدرة بالحركة الكاملة، بل بروح التحدي.. في هذا المكان، وجد عدد من ذوي الإعاقة فرصة للحياة من جديد، بعد سنوات من الألم والتهميش ليحولوا فرصة العمل إلى بداية جديدة بعد سنوات من المعاناة.
روبي طه.. من طريح الفراش إلى ماكينة الخياطة
قبل خمس سنوات، وتحديدًا في مايو 2020، انقلبت حياة رجل خمسيني رأسًا على عقب، بعد سقوطه من الطابق الثالث في إحدى البنايات، ما أدى إلى فقدانه القدرة على الحركة، والبقاء طريح الفراش لمدة أربع سنوات كاملة، بعدما كان يعمل عاملًا باليومية.

يعاني روبي طه من كسر في المفصل، وضمور في عضلات الكتف، واضطر لتركيب شرائح ومسامير في فقرات الظهر، إلى جانب شرخ في قاع الجمجمة، وفقدانه عينه اليمنى.
التحق صاحب الـ 50 عامًا بالعمل في المصنع منذ عام واحد، من خلال وزارة العمل، ضمن نسبة تشغيل الـ 5% المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة، ورغم ظروفه الصحية يعمل على ماكينة خياطة، يوميًا من الثامنة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا مثله مثل الأصحاء.
وبنبرة فخر، يقول خلال حديثه مع القاهرة 24، إن حالته الصحية لم تمثل عائقًا داخل المصنع، مردفًا: «حالتي كانت صعبة وكنت شبه مشلول، ومع العلاج الطبيعي بدأت إيدي تتحرك، صحيح ماقدرش أرفعها أو أنزلها كويس، لكن اتأقلمت على الشغل على الماكينة».
ويضيف أن إدارة المصنع راعت ظروفه الصحية، من خلال توفير كراسي مريحة ومناسبة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وكانت بيئة العمل لها دور كبير في استمراره في العمل، على حد قوله، موضحًا: الناس هنا محترمة وراعوا ظروفي».

بالنسبة لـ روبي، لم تكن الوظيفة مجرد راتب شهري، بل «عودة للحياة»، وباب رزق فتح بعد سنوات وصفها بـ«العجاف»، قائلًا: «ربنا طبطب عليّا بباب رزق يوفّرلي حياة كريمة.. عندي بنات وعايز أجهزهم، ومليش مصدر دخل غير إيدي، وعلى الرغم من إعاقتي قدرت أثبت نفسي».

«تكافل وكرامة وش السعد عليا».. بتلك الكلمات بدأت نورا أبو القاسم، حديثها مع القاهرة 24، حيث التحقت بالعمل من خلاله، واستفادت من تخفيض كبير في المصروفات الدراسية لأبنائها، ما خفف عنها عبئًا ثقيلًا، بجانب الدعم المادي الشهري.
تعمل نورا في المصنع منذ ثلاثة أعوام بقسم التطريز على الرغم من أنها من ذووي الإعاقة الحركية الخلقية، وهو الأمر الذي لم يكن سهلًا أبدًا في البداية، لتخوفها من العمل في الخياطة بسبب إعاقتها، بجانب خوفها من وقف الدعم النقدي، ولكن بدعم إدارة المصنع استطاعت التغلب على مخاوفها، مردفة: «الشؤون كلموني وقالولي تعالي اشتغلي ونعلمك صنعة.. وفي البداية كنت خايفة الدعم يقف لأننا عايشين على الفيزا، ولكن دربوني وعلموني الخياطة من الصفر».



وتضيف السيدة التي تزحف نحو العام الخامس والأربعين من عمرها: «اتبهدلت كتير.. من صغري وأنا بشقى عشان أجيب قرش بالحلال.. هنا أنا مرتاحة استقبلونا كويس، وعلمونا حرفة، ووقفوا جنبنا، المدير بالبداية قالي جربي وحاولي، ولو معرفتيش خلاص.. وبالفعل اتعلمت، وبقيت أطلع شغل وأنتج زيي زي أي حد».
وبابتسامة رضا، تختم حديثها: «أي جنيه بكسبه من عرق جبيني بحمد ربنا عليه».
محمد علي.. يحلم ببيت من عرقه

على منضدة يجلس محمد علي، رفقة زملائه من الصم والبكم، كل منهم منهمك في عمله، والذي يعمل في المصنع منذ عام ونصف تقريبًا، لتكون فرصته الأولى للالتحاق بسوق العمل، بعدما كانت إعاقته تحول دون حصوله على عمل سابقًا، ليلتحق بالمصنع من خلال وزارة العمل، ضمن نسبة تشغيل الـ 5%.

منذ نعومة أظافره لا يجيد الشاب الثلاثيني، القراءة والكتابة، ويعتمد كليًا على لغة الإشارة فقط، إلا أن ذلك لم يشكل عائقًا داخل المصنع، حيث تلقى المساعدة من زملائه في المصنع منذ اليوم الأول ومنهم من تعلم على يده هو ورفاقه لغة الإشارة، لتكون وسيلة التواصل بينهم، عبر مترجمة الإشارة، ويعد العمل بالنسبة له وسيلة لتحقيق حلمه البسيط، قائلًا «بشتغل عشان أفتح بيت بالحلال، وأكوّن أسرة، وأأمّن مستقبل ولادي».









