الخميس 25 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

لماذا تخيفنا الفرحة؟

الخميس 25/ديسمبر/2025 - 05:42 م

ربما وجدنا جميعًا ذلك الشعور بالخوف كلما شعرنا باقتراب فرحةٍ منا، وقد يزداد هذا الخوف والقلق حتى في وجودها وخلال لحظاتها السعيدة بكل تأكيد.. فلماذا يحدث ذلك؟

شغلني هذا السؤال كثيرًا، خاصة أن الأمر يزعجني بالفعل مثل الجميع، كونه يجعل لحظات السعادة القليلة في حياتنا منقوصة، ومشوبة بالقلق والخوف والحذر والترقب.

أتذكر منذ سنوات كثيرة كنت في سهرة مع بعض الأصدقاء، وكنا جميعًا نعيش حياة الغربة عن الوطن، وفي تلك الليلة ضحكنا كثيرًا وبشكل أقرب للهستيري، وفي عز هذا الضحك قال أحدنا «اللهم اجعله خير»، وتلك جملة في موروثنا الشعبي قد نعرفها جميعًا كمصريين، سواء سمعناها أو رددناها.

حينها توقفت عن الضحك، وانتبهت للجملة، ونظرت لأصدقائي وقلت لهم لماذا تخيفنا الفرحة؟ وهنا سكتوا جميعًا، وتأملوا الموقف، واكتشفنا أننا بالفعل نجد نفس الشعور دون تفسير منطقي، وكنا في سن صغيرة ولا نمتلك الخبرة الكافية للإجابة بدقة عن هذا السؤال وأيضا لا نريد أن نفسد جلستنا، فقررنا أن نتجاوزه ونكمل ضحكاتنا ومزاحنا وفقط.

لكن كثيرا ما تداهمتني تلك المسألة، فقررت أن أجد لها تفسيرا.

ومع التفكير والبحث والقراءة، أعتقد أنني وجدت إجابات ربما تكون مقنعة تماما لدى البعض، أو على الأقل تقربنا من تفسير تلك المشاعر المزعجة بلا شك، كونها تأتينا في أوقات قد نكون انتظرناها طويلا توقعا بقرب الحصول على حاجة ما أو أمنية في قلوبنا.

وحتى إن لم نكن نرجو أمرا بعينه، ولكن من منا لا يتمنى أن تأتيه السعادة ويدخل الفرح قلبه ولو لوقت قليل وسط صراع الحياة الشاق؟

أرى أننا نخاف حين تقترب الفرحة منا لا لأننا لا نحبها، بل لأن التجربة والرواسب السابقة علمتنا أن الفرح غالبا لا يأتي وحده، بل يأتي محملا باحتمال الفقد، فلا شيء يدوم في هذه الحياة.

العقل من فرط ما ذاق الخذلان صار يتعامل مع الفرح كشيء هش، مثل كأس زجاجي نخشى لمسه حتى لا ينكسر.

نخاف لأننا ربطنا الفرح بالثمن.. كل فرحة سابقة دفعنا مقابلها حزنا وألما وغصّة في القلب.

فأصبح القلب يقول تمهل، ترى ماذا سيؤخذ منك هذه المرة؟
ونخاف لأن الانتظار نفسه مؤلم.

لا شك أن احتمال قرب الفرحة يوقظ الأمل، والأمل حين يخيب يوجع أكثر من اليأس بكثير، لدرجة تجعلنا نندم عليه.

وأحيانا نخاف لأننا لم نعد نثق في الاستمرار، وذلك كوننا اعتدنا أن الأشياء الجميلة عابرة.

فتعلمنا أن نخفف الفرح قبل أن يخففنا هو، ولكن الحقيقة الأعمق أن هذا الخوف ليس ضعفا، بل هو غريزة حماية ذاتية من صدمة محتملة أو خيبة قد تأتي.

القلب الذي يخاف هو قلب بلا شك أحب وصدق وأخلص وخسر من قبل وذاق الخذلان.

وذلك يعني أن النضج الحقيقي ليس أن نمنع الفرح من الاقتراب.. بل أن نقول له بهدوء أهلًا بك.

سأفرح اليوم، ولو رحلت غدا لن أندم أنني فعلت ذلك.

فالفرح لا يجب أن يؤجل بحجة الخوف من الحزن، كما أن الحياة لا تؤجل خوفا من الموت.

فلنلتقط الفرحة حين تصادفنا، ونعيشها بكل حواسنا ما دامت موجودة، ولا نفسدها بقلق قد يكون في غير محله، وحتى إن ذهبت فلا مانع من انتظار فرحة أخرى، وبدلا من ترقب الخيبات فلنترقب سعادتنا بشغف، كأننا بالفعل على موعد معها، ولو من باب التفاؤل واليقين بكرم الله غير المحدود، والذي إذا أراد هيأ الأسباب من العدم.

تابع مواقعنا