عناية الإسلام بالطفولة موضوعًا لخطبة الجمعة اليوم | نص الخطبة
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم بعنوان مظاهر عناية الإسلام بالطفولة، موضحة أن الهدف منها التوعية بمظاهر رعاية الإسلام للطفولة واهتمامه بها في ضوء سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، والخطبة الثانية: حماية الأطفال من الألعاب الإلكترونية، حيث إن الهدف التحذير من خطورة الألعاب الالكترونية على الأطفال والتى ربما تدمر عقولهم وتصيبهم بسطحية الفكر وتغرس بذور العنف فى نفوسهم.
نص خطبة الجمعة اليوم
الحمد لله الذي جعل الإنسان محل تكريمه، وأودع فى براءة الطفولة سر جماله وتعظيمه، سبحانه، هيأ النفوس لتكون للقيم محرابا، وجعل الرحمة بالصغير للوصول إليه بابا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بعثه الله رحمة للعالمين، فكان للأطفال أبا رحيما، وللبراءة حصنا منيعا، وللجمال الإنساني نموذجا فريدا، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد.
الطفولة في الإسلام هي النبع الحقيقي للحب والحنان في حياة الإنسان، وهي أقدس وأعظم مراحل العمر، إذ هي التربة التي تزرع فيها القيم، وتبني فيها النفوس، وتصاغ فيها ملامح المستقبل، فالطفولة تعكس أنوار الجمال الإلهي في أبهي تجلياته، فهي نبع للسكينة، ومستودع للرحمة، فبمقدار ما يعتني بتشكيل وجدان الطفل في المهد، يصعد في آفاق الرجولة، ويصير عنوانا للشهامة والاستقامة، فالطفل في كنف الشريعة الغراء هو الوصلة الروحية الوثيقة التي تربط جلال الماضى بإشراق المستقبل، وإذا كانت المواثيق الدولية قد وضعت إطارا قانونيا لحماية الطفل، فإن الإسلام قد سبقها جميعا، وأرسى حقوق الطفل فى تشريع رباني متكامل، يثمر في التربية، ويزهر في الرحمة، ويستثمر في بناء الإنسان، تحقيقا لتلك الأمنية الغالية، والدعاء الخالد: ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾.
أيها الكرام: إن من حقوق الأطفال على الكبار التى قررها الشرع الشريف، حسن اختيار شريك الحياة قبل أن يولد الأبناء، إذ يقول الجناب المعظم ﷺ: «تنكح المرأة لأربع... فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وقال ﷺ: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» فصلاح الأب والأم أساس صلاح النشء وبداية البناء، ثم من حقوقهم أيضا اختيار الاسم الحسن الذى يلازم الإنسان عمره، وقد قال سيدنا ﷺ: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم»، ثم حق الرضاع والرعاية الجسدية التى تحفظ حياتهم وتنمى أبدانهم، قال جل شأنه: ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين﴾، ثم حقهم فى النفقة صيانة لكرامتهم، وحفظا لمستقبلهم، قال سبحانه: ﴿لينفق ذو سعة من سعته﴾، ثم حقهم فى حسن التربية وغرس القيم والإيمان فى قلوبهم، قال حبيبنا ﷺ: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ثم يأتى حق التعليم الذى به تبنى العقول وتنهض الأمم، وقد قال تعالى: ﴿هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾، ومن أجل العلوم التى يجب على الآباء أن يعلموها لأبنائهم، ويبذلوا فى ذلك وسعهم، حفظ القرآن الكريم، وتعليم اللغة العربية، فهذه الحقوق ليست مننا يعطيها الآباء متى شاؤوا، بل أمانات يسألون عنها أمام الله سبحانه وتعالى، وبها تصان الطفولة، ويبنى الإنسان، وتحفظ الأوطان.
أيها المكرم: ألم تعلم أن الجناب المعظم ﷺ كان يجعل من حجره الشريف مأوى لصغار الصحابة، ومن يده الكريمة لمسة حانية تداوى القلوب؟ هل استشعرت يوما كيف كان احتضانه المبارك أمانا للصغار، وكلماته الرقيقة بناء لثقتهم، ورفعة لذكرهم؟ ألم تجد فى هدى تعامله مع الأطفال رفعة فى أخلاق الكبار، وعظمة لا يدركها إلا الرحماء؟ لقد أقام المنهج المحمدى للأطفال صرحا من الإعزاز، فجعل من الرفق بهم عبادة، ومن مؤانستهم قربة، ومن تقبيلهم رحمة تفتح أبواب الجنان، فالطفل فى ظلال الإنسانية المحمدية محاط بمزيج مدهش من الحب والعناية والحماية والتوقير، فكل لفتة حنان هى غرس لقيمة، وكل كلمة طيبة هى تشييد لعقل، فنحن أمام رؤية نبوية مشرقة تسمو بالطفولة إلى مصاف الأولوية القصوى، لتعلم الدنيا أن سيادة الأمم تستمد من جودة بناء صغارها، وأن طهارة المجتمع تبدأ من صون براءة أطفاله، وأن استنقاذ هيبة الإنسان مرهون بتوقيرنا لهذه البراءة الغالية، وبذلنا الغالى والنفيس فى سبيل حمايتها، ليبقى الميزان النبوى فى رقى الأمم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا».
أيها النبلاء: إن المتأمل فى النموذج المعرفى الإسلامى يجد أن الطفولة لم تكن يوما مجرد مرحلة عمرية عابرة، بل هى حالة من النورانية استوجبت من الحضارة الإسلامية أعلى درجات الرحمة والاحتفاء، فقد رسم الجناب المعظم ﷺ معالم هذه العناية، فكان ينحنى للصغير حتى يلامس شغاف قلبه قبل أن يلامس يديه، ليغرس فى وجدان الأمة أن العظمة الحقيقية لا تكتمل إلا بالانكسار لضعف الطفولة، والرفق ببراءتها، فنحن أمام فقه للجمال يرى فى مسح رأس اليتيم، أو ملاعبة «أبو عمير» فى طائره، أو إطالة السجود لئلا يزعج ارتحال الحفيد، أو نزولا من على المنبر الشريف حملا لسيدى شباب أهل الجنة، وهى أصول وقواعد لبناء إنسان سوى، يمتلئ قلبه بالثقة، وروحه بالسكينة، فتخرج من كنف هذه الرحمة أجيال تحمل للعالمين مشاعل النور والاستقامة، ليظل هذا المشهد المحمدى حاضرا فى كل وجدان فى ضوء قول سيدنا صلى الله عليه وسلم: «إنى لأقوم فى الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبى، فأتجوز فى صلاتى كراهية أن أشق على أمه».



