خلاف واختلاف
معظم البشر بطبعهم بيحاولوا قدر الإمكان يبعدوا عن اللحظة اللي هما عارفين إن مستخبي وراها حقيقة هتوجعهم، يعني تكون كل تصرفات فلان بتأكد إنه شخص سيئ بس أنا بأجل مصارحة نفسي بكده.. اللي هو لازم تشرب البحر كله عشان تتأكد إنه مالح!
خوف البعض من المواجهة بيخليهم ييجوا على نفسهم ويحاولوا يتفادوا أي خلاف بالعافية وده بالتبعية بيخليهم يضروا ذاتهم، لأن مفيش حياة بدون خلاف واختلاف، ولأن الطرف التاني هيفضل على نفس العيب!.. دكتور "غيل سالتز" أستاذ الطب النفسي في كلية "وايل كورنيل" للطب في نيويورك بيقول إن الخلاف اللي جايز يبان في بدايته مرارة هو في الأصل فرصة إن الطرفين يعرفوا نظرتهم لبعض إيه، مين اللي هيستقبل النقد بـ صدر رحب، ومين اللي هيعمل من الحبة قبة، مين اللي هيفتكر النقاط الإيجابية في العلاقة والأوقات الحلوة وهتكون قاعدة يرتكز عليها عشان يتجاوزوا الأزمة، ومين اللي هيتعامل مع الخلاف إنه طريق اتجاه واحد بدون رجعة.
من المواقف اللي مستحيل أنساها إن من 8 سنين حصل خلاف كبير بيني وبين صديقي العزيز "عصام" كنت أنا السبب فيه بنسبة 100%، رغم كده وبمنتهى البجاحة كان العِند مخليني بقول إني مش غلطان وعملت نفسي أنا اللي زعلان وصاحب حق بالتالي أخدت جنب!، وطبيعي إن "عصام" اللي هو صاحب الحق أساسًا برضه ياخد جنب!.
زي ما بيقولوا بالبلدي "كل واحد فينا ركب دماغه"، كان وقع الخلاف عليا المرة دي أصعب شوية لأنه كان بالتزامن مع مشكلة شخصية تانية حصلت مع حد تاني، عادة في المواقف اللي من النوع ده كنت برتاح إني أفتح قلبي لـ "عصام" وأحكيله عشان آخد رأيه، وندردش في الحل الأفضل للأزمة بس حاليًا "عصام" مش موجود!.
فات يوم والتاني وحاولت اتجاوز الأزمة لوحدي وفشلت، غصب عني ولما الخنقة غلبتني قررت اتصل بيه الساعة 3 الفجر على الموبايل!، هو عادة بينام بدري بالكتير الساعة 11 بالليل.. رد، وكان باين من صوته إنه نايم، ومقالش حتى "ألو".. قولت: (معلش الميعاد متأخر، فاضى!.. عايز أتكلم معاك).. ماسمعتش منه غير كلمة: (يوووه بقي).. وقفل السكة!.. قفلها قفلها يعني.. كانت أول مرة يقفل السكة في وشي وبصراحة عنده حق ما هو اللي حصل مش شوية، وكويس إنه رد من أساسه.. مارضتش اتصل بيه تاني.. بعدها بحوالي ربع ساعة لقينا بيرن جرس البيت!.. أبويا الله يرحمه كان نايم وقام مفزوع فتح الباب فشاف "عصام" قدامه وسأله: ( فيه إيه؟).. "عصام" رد: (معلش يا عمو كنت عايز "تامر" ضرورى).
أبويا دخله الأوضة عندي وكان متضايق من رخامة صاحب ابنه اللي جه في ميعاد زى كده، وكنت متأكد إن لما "عصام" يمشي أبويا هيسمعني كلمتين معتبرين يعنى وهيهزأني، دخل "عصام" فسألته: (فيه إيه! إيه اللي جابك!).. رد: (إيه اللي جابني إيه! إنت مش عايز تتكلم! وآدي قعدة).. قالها وقعد على الأرض مستني يسمع!.. سألته تاني: (إنت بتهزر ولا بتستعبط يا ابني!، إيه اللي جابك بجد!).. قال: (هنفضل بقى في الدايرة دي كتير!، أقعد إنت بقى قول إيه اللي جابك وزفت للصبح! يا عم انطق جاي أسمعك!).. ماصدقتش بصراحة وكنت فاهم إن أكيد فيه حاجة تانية بس اتضح إن فعلًا "عصام" حس من نبرة صوتي في المكالمة ومن جملة واحدة بس إن أنا في أزمة حقيقية فبدون تفكير ركن أى حاجة تانية على جنب وجه عشان يسمع صاحبه اللي محتاج يتكلم.. جه بدون ما يفكر، بدون ما يهمه الوقت، بدون ما زعله مني يكون جزء من المعادلة، وبدون ما حتى يعرف عنوان الموضوع!
مفيش علاقة سواء صداقة أو حب بين أي طرفين بتبقى ماشية على خط واحد مستقيم زي المسطرة من أولها لآخرها.. الخلافات في بعض مراحل العلاقة هي شيء طبيعي، ومراية كاشفة للي في القلوب، وفرصة إن الطرفين يعرفوا نظرتهم لبعض إيه، مين اللي هيستقبل النقد بـ صدر رحب، ومين اللي هيعمل من الحبة قبة.. مين اللي هيفتكر النقاط الإيجابية في العلاقة والأوقات الحلوة وهتكون قاعدة يرتكز عليها عشان يتجاوزوا الأزمة، ومين اللي هيتلكك ويتعامل مع الخلاف إنه طريق اتجاه واحد بدون رجعة.
وجود الخلافات أمر عادي، بس انتصارها من عدمه متوقف على صدق المشاعر من عدمه.. أستاذ الطب النفسي د."غيل سالتز" قال: (شعلة الحب بين شريكين إن كانت "حقيقية" لا تنطفئ رغم كثرة الخلافات).


