عودة الخارج أم أفول الداخل؟.. انتخابات حماس بين ذاكرة شاليط وواقع ما بعد الحرب
تشهد حركة حماس في هذه المرحلة، انتخابات داخلية لاختيار رئيس مكتبها السياسي، وهي انتخابات تمتد لأسبوع كامل وتنعقد في لحظة استثنائية تكاد تكون الأشد حساسية في تاريخ الحركة منذ تأسيسها.
لا تنبع أهمية هذه الانتخابات من بعدها الإجرائي فحسب، بل من كونها تعكس تحولا بنيويا في موازين القوة داخل التنظيم، في ظل حرب مدمرة، وخسائر قيادية غير مسبوقة، وضغوط إقليمية ودولية متزايدة.
اللافت في هذه الدورة هو أن مكتب الخارج بدأ يستعيد زمام المبادرة، في مشهد يعيد الحركة تدريجيا إلى ما كانت عليه قبل صفقة شاليط عام 2011.
لفهم هذا التحول، لا بد من العودة إلى تلك الصفقة التي شكلت نقطة انعطاف مركزية في تاريخ حماس.
صفقة شاليط، التي قادها خالد مشعل بصفته رئيس المكتب السياسي آنذاك وبوساطة مصرية خالصة، لم تكن مجرد إنجاز تفاوضي، بل لحظة أعادت إدخال يحيى السنوار إلى قلب المعادلة القيادية.
منذ تلك اللحظة، بدأت مرحلة جديدة داخل الحركة، عمل فيها السنوار على إعادة هندسة حماس من الداخل، مستفيدا من موقعه في غزة ومن نفوذه داخل البنية التنظيمية.
في هذا السياق، نجح في الدفع بإسماعيل هنية إلى رئاسة المكتب السياسي، مع تكريس معادلة غير مكتوبة تقوم على وجود قيادة للداخل وأخرى للخارج، بينما كانت الكلمة الفصل فعليا لقيادة الداخل.
هذا الترتيب الداخلي استمر على مدار ثلاث دورات انتخابية متتالية، أخفق خلالها خالد مشعل في العودة إلى رئاسة المكتب السياسي، إذ فاز السنوار بقيادة الداخل، وتولى صالح العاروري قيادة الخارج، بينما ترأس إسماعيل هنية المكتب السياسي بصفته الشخصية التوافقية التي تجمع بين الجناحين.
تداخل القرار السياسي مع القرار العسكري
خلال هذه المرحلة، تركزت السلطة بشكل غير مسبوق في غزة، حيث تداخل القرار السياسي مع القرار العسكري، وأصبحت القيادة الميدانية قادرة على فرض أولوياتها على مجمل الحركة.
غير أن هذا التوازن بدأ يتصدع مع اغتيال صالح العاروري، الذي خلق فراغا استراتيجيا داخل مكتب الخارج، ثم تعرض لضربة أشد مع الحرب الأخيرة وما رافقها من اغتيال الصف الأول من قيادات حماس، ولا سيما القيادات العسكرية.
هذه الخسائر لم تكن بشرية فقط، بل تنظيمية أيضا، إذ قلصت بشكل حاد قدرة قيادة الداخل على الإمساك بمفاصل القرار، ودفعت الحركة نحو نمط قيادة أكثر جماعية وأقل تمركزا في الداخل، مع تزايد الاعتماد على الخارج في إدارة الملفات السياسية والتفاوضية.
في هذا السياق، تبرز عودة قيادات تاريخية إلى واجهة المكتب السياسي، مثل محمد نزال، محمد نصر، وعزت الرشق، بوصفها مؤشرا واضحا على استعادة الخارج لدوره التقليدي.
هذه الشخصيات تمثل خبرة تنظيمية طويلة، ورصيدا سياسيا متراكما، وشبكات علاقات إقليمية ودولية باتت الحركة في أمسّ الحاجة إليها في مرحلة ما بعد الحرب، حيث تتقدم الملفات السياسية والدبلوماسية على حساب القدرة العسكرية المباشرة.
في المقابل، تراجعت حظوظ شخصيات محسوبة على مرحلة هيمنة الداخل، مثل خليل الحية، الذي تبدو فرصه في مواجهة خالد مشعل ضعيفة في ظل التحول الواضح في موازين القوة.
هذا التراجع لا يرتبط بعوامل شخصية بقدر ما يعكس تحولا بنيويا أعمق، حيث لم يعد الداخل قادرا على فرض مرشحه كما في السابق، نتيجة الاستنزاف والضغط المتواصل وتفكك مركز القرار.
بناء على ذلك، يبرز سيناريو عودة خالد مشعل إلى رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس بعد غياب يناهز خمسة عشر عاما بوصفه الاحتمال الأقرب.
هذه العودة لا تعني مجرد تداول أسماء أو استعادة موقع سابق، بل تشير إلى انتقال الحركة من مرحلة كانت فيها القرارات تصاغ في الداخل وتتركز بيد شخصية قوية مثل يحيى السنوار، إلى مرحلة جديدة يعاد فيها الاعتبار لمكتب الخارج كمركز ثقل سياسي.
بهذا المعنى، تمثل الانتخابات الحالية لحظة إعادة تعريف لهوية القيادة داخل حماس، ولأولوياتها في مرحلة ما بعد الحرب، حيث تتقدم السياسة والتنظيم وإدارة العلاقات الخارجية على منطق السيطرة العسكرية والميدانية وحدها.




