سيد يوسف: العالم كله انتظر فكَّ شفرة مخطوطة فوينيتش.. واستطعت إنجاز ذلك في 5 سنوات| حوار
- طبقت برنامج الحد الأدنى في مجال العلوم اللغوية لتفكيك نصوص مخطوطة فوينيتش والتوغل في أعماقها وإعادة بنائها
- بعض الباحثين زعم أن المخطوطة مكتوبة بلغة الجن وحقيقة الأمر أنها مكتوبة بلغة معروفة
- تاريخ المخطوطة يعود إلى النصف الأول من القرن الخامس عشر وصاحبها غير معروف
- سأكون سعيدًا للغاية حين يتلقى العالم بالقبول ما قدمه بحثي من حلول حول نص المخطوطة ولغتها
- وصف المخطوطة بأنها الأعقد والأكثر غموضًا وأن لغتها مجهولة يستحيل فك شفرتها كان التحدي الأكبر لي
- خروج هذا الإنجاز من مصرنا الحبيبة أمر يسعدني
- حرف الواو المفتاح الذي من خلاله استطعت فك بقية المخطوطة
مخطوطة فوينيتش واحدة من المخطوطات التي حيّرت العلماء حول العالم، فهي مخطوطة يعود عمرها إلى حوالي 600 عام، لكن غير معروف اللغة التي كتبت بها، فلغة الكتابة عبارة عن رموز مبهمة وغامضة مستعصية على الفهم ولم يستطع أحد التوصل إلى فك شفرات هذا المخطوط رغم كثير من المحاولات حول العالم (على مدى مئات السنين)، وقد أشيع في الوسط العلمي أنها كتبت بلغة الجن أو لغة الملائكة.
كما أن صاحب المخطوط غير معروف، وفوننتيش الذي يحمل المخطوط اسمه ليس هو كاتب المخطوطة فقد تنقل الكتاب من يد إلى يد؛ فأول من امتلك المخطوطة هو جورج باراسيتش، كيميائي مجهول عاش في العاصمة التشيكية براغ في بداية القرن 17، وعندما مات انتقلت ملكية المخطوطة إلى صديقه جونيس ميريك ميرسي الذي كان وقتها يشغل رئيس جامعة تشارلز في براغ؛ والذي بدوره أرسلها إلى باحث يسوس يدعى أثانيسيوس كيرتشر في الجامعة الرومانية، لكنه عجز عن فك رموز المخطوطة ومعرفة لغتها، واستقرت المخطوطة في الجامعة الرومانية.
وفي عام 1912 وصلت المخطوطة إلى ويلفريد فوينيتش عندما باعت الجامعة الرومانية بعض ممتلكاتها، فاشترى ويلفريد فوينيتش (وهو أحد أثرياء الدنمارك آنذاك) ما يقارب 30 مخطوطا من بينها هذه المخطوطة التي أصبحت تحمل اسمه وفي 1930، بعد موته، ورثته أرملته إثيل ليليان فوينيتش نيل وباعت الكتاب إلى تاجر كتب قديمة ويعرف باسم هانس كراوس. لم يستطع إيجاد مشترٍ لها، فقام بالتبرع بها لجامعة يال عام 1969، ولم يستطع أحد فك ما بها من رموز ورسوم مبهمة قبل ذلك.
لكن الباحث اللغوي المصري الدكتور سيد يوسف استطاع تحطيم أسطورة هذه المخطوطة، وفك شفراتها، من خلال تطبيق برنامج الحد الأدنى في مجال العلوم اللغوية، مستثمرًا قدرته على التوغل في النصوص، ليصبح محتوى هذا المخطوط الغامض بين يد الباحثين والقراء يستطيعون فهم لغته ومعرفة ما به من علم.
وأجرى القاهرة 24 حوارا مع الباحث والشاعر سيد يوسف حول هذا الأمر للوقوف على تفاصيل هذا الكشف العلمي، وإلى نص الحوار…
متى تعرفت على هذه المخطوطة وما الذي جعلك تعرف أن هناك مخطوطة بهذا الاسم، وإلى أي مجال علمي يمكن تصنيفه؟
تعرفت على المخطوط في فترة الإغلاق التي واكبت انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) عام 2020 وما بعده.. حين كنت أطالع بعض المواقع للحصول على بعض الكتب والمخطوطات النادرة فوجدت أحد المدونين يضع رابطًا للمخطوطة، ويتكلم عن التحدي اللغوي الكبير الذي تحمله لكل الباحثين في مجال التعمية والتشفير وعلوم اللغة وعجز كبار الأساتذة في هذه المجالات عن التعامل معها..
المخطوطة تنتمي لأحد المجالات المهمة التي عرفها العرب وغيرهم (سأتحفظ على التفاصيل لأنها تضر بمسار البحث).

كيف جاءت فكرة فك شفرات المخطوط ولماذا هذه المخطوطة تحديدًا؟
الفكرة جاءتني من رصيد الثقافة العربية والإسلامية الذي أختزنه بحكم الدراسة وطبيعة الاهتمامات التي أميل إلى تفضيلها أكثر من غيرها.. حيث ساعدتني كثيرًا على التعامل بشكل أكثر دقة مع المخطوطة.. كما أنني حاولت استخدام واحد من أحدث مناهج الدرس اللغوي في العالم وهو برنامج الحد الأدنى الذي طبقته في بحثي للحصول على الماجستير ورسالتي للحصول على الدكتوراه.. هذا البرنامج له قدرة فائقة على تفكيك النصوص والتوغل في أعماقها وإعادة بنائها بشكل أكثر وضوحًا.. وكفاءة غير مسبوقة في وصف اللغة وتفسيرها.
أما لماذا هذا المخطوط تحديدًا، فالأمر يتعلق بالتحدي، حيث إن مخطوطة فوينيتش تمثل تحديًا كبيرًا لكبار علماء اللغة والترميز والتشفير في العالم.. وهو ما استفز بداخلي روح البحث والرغبة في المشاركة في هذه الجهود.

من صاحب المخطوطة وما هو محتوى هذه المخطوطة؟
صاحب المخطوط مجهول؛ لأن المخطوط بلا مقدمة حقيقية يذكر فيها اسمه على غرار ما كان يفعل المؤلفون والكُتّاب قديمًا، والخاتمة أيضًا لا ذكر فيها للمؤلف.. غير أنني خلال البحث استطعت التوصل إلى ملامح عامة لهذا المؤلف تتعلق بالمنطقة التي عاش فيها والمستوى التعليمي والخبرة العملية في مجال تخصصه التي بلغها واللغة التي كان يتكلمها... إلى غير ذلك من السمات التي يمكن معها رسم صورة تقريبية لهذا الشخص وربما مع التقدم في البحث نصل إلى تحديد اسمه بشكل دقيق.
موضوع المخطوطة كما هو شائع يتنوع بين علم النبات والأعشاب، والفلك والتنجيم، والصيدلة والطب، والكيمياء والأحياء، غير أنني خلال البحث توثقت من أن موضوع المخطوطة هو موضوع واحد فقط، وأن كل العلوم المشار إليها ليست واردة إلا لخدمة هذا العلم، وليس ورودها أبدًا على سبيل التخصص في كل منها كما كان يحدث في ذلك الزمن الذي كان يعرف بموسوعية العلم، وقدرة مؤلف واحد على الكتابة في أكثر من فن بالجودة نفسها.
ما لغة هذه المخطوطة؟
شاع في الأوساط الأكاديمية والعامة أن المخطوطة مكتوبة بلغة مجهولة، وقد بلغ التطرف ببعض الباحثين والمتعاملين مع المخطوطة أن زعموا أنها لغة غير أرضية آتية من كوكب آخر، وزاد بعضهم فوصفها بأنها لغة الملائكة أو لغة الجن.. وحقيقة الأمر أن لغة المخطوطة لغة أرضية معروفة وقريبة للغاية منا، نحن العرب والمسلمين، وحروفها مجرد ترميز كان معروفًا في أوساط المتخصصين في ذلك الوقت، وهو بشكل أو بآخر من الجذور القديمة لعلم الشفرة.
وما الذي تضيفه هذه المخطوطة للعلم؟
سقف التوقعات بشأن ما تحتويه مخطوطة فوينيتش من معلومات وعلوم وتطبيقات عالٍ للغاية.. حيث يظن بعض الباحثين أن بها علومًا كانت مزدهرة في عصر تأليفها واندثرت، أو تطبيقات يمكن أن تمكن من يعرفها من التحكم في الحالة البيولوجية للإنسان، أو غير ذلك.. وحقيقة الأمر أن المخطوط ليس به شيء كثير في هذا الاتجاه.. وقد انتهى البحث إلى تحديد أهم المضامين التي يدور حولها الكتاب.
من أهم ما تطرحه جامعة ييل والمؤسسات والمجموعات الأخرى الدولية المتصلة بمخطوطة فوينيتش أن مجرد معرفة محتواها هو إنجاز في ذاته، سواء أكان هذا المحتوى يتضمن معلومات سرية مهمة في علوم مختلفة أو تطبيقات خطيرة حول تلك العلوم، أو مجرد خدعة أو لهو من شخص عابث.. إنهم هنا ينتصرون للبحث العلمي ونتائجه أيًا كانت.. وهو عين ما أتمنى أن تتعامل به مؤسساتنا مع كافة الأمور.. العلم مهم للغاية.. وهو، لمن لا يعلم، ليس فقط وسيلة تنوير، وإنما أداة للتقدم والرخاء والثراء، سواء للأفراد أو الدول والمجتمعات.
كم عمر هذه المخطوطة؟
وفقًا لتحليلات فترة عمر النصف التي تجرى بواسطة الكربون المشع، فإن فترة (كتابة) مخطوطة فوينيتش تقع بين عام 1403 وعام 1438.. أي في النصف الأول من القرن الخامس عشر.

حدثنا بالتفصيل عن إجراءات فك المخطوطة من مطابقة حروفها بحروف عربية ثم تكوين كلمات وجمل منه؟
الأمر معقد بعض الشيء.. المسألة بدأت معي بحرف (و) العربي، وهو الحرف الوحيد المكتوب بصياغة عربية واضحة ومباشرة.. ثم بإعمال منهج البحث وإجراء عمليات تباديل وإعادة قراءة.. وفقني الله عز وجل إلى الوصول إلى عدد محدود من الحروف.. وعلى مدار خمس سنوات انتهيت إلى بناء مدونة حروف للمخطوطة مع تحديد المعادلات الصوتية لكل منها.. وكان وجود كلمات محددة مرشدًا كبيرًا لصحة الفرضيات التي بدأت بها.. وخلال العام الأخير استطعت تكوين جمل دقيقة ثم وصلت إلى مرحلة من القدرة على قراءة فقرات كاملة.. وأصبحت أجيد الكتابة برموز المخطوطة.
ما الصعوبات التي واجهتها في فك شفرات هذا المخطوط؟
أول الصعوبات وأخطرها كان الحالة التي يجري بها وصف المخطوطة وتقديمها للباحثين.. حيث يتم وصفها بأنها الأعقد والأكثر غموضًا وذات اللغة المجهولة والتي يستحيل فك شفرتها.. إلى غير ذلك من التعريفات والأوصاف التي تصدر الإحباط للباحث قبل الدخول إلى النص.. والصعوبة الثانية تمثلت في السير لفترة طويلة وراء منطلق بحثي ثبت خطؤه بشكل كبير يتعلق بالربط الدائم بين النص المكتوب والصور والرسوم المصاحبة.. وبطبيعة الحال العامان الأولان كانا الأصعب لأنني كنت أقضي أيامًا وشهورًا ولا أستطيع فك تشفير رمز واحد.

ما الذي تطمح إليه من وراء فك رموز هذه المخطوطة؟
لست أنا من يطمح.. العالم كله ينتظر من يفك شفرة هذا النص.. وكل المؤسسات الأكاديمية الكبرى والموسوعات العالمية تؤكد أن حلها أمر شبه مستحيل.. فإن كان تقديم النص مفتوحًا للعالم وقابلًا للقراءة ومعرفة محتوياته هو طموح العالم الآن فيمكن اعتبار أنه طموحي أنا أيضًا، وبطبيعة الحال فإن خروج الحل من منطقتنا العربية والإسلامية إلى الغرب في الاتجاه المعاكس لمسار المعرفة للمرة الأولى منذ وقت طويل هو أمر طيب للغاية.. ويسعدني أكثر أنه خارج من مصرنا الحبيبة قلب هذه المنطقة النابض ومركزها الثقافي والحضاري المشع الذي طالما قدم للإنسانية نماذج طيبة ساعدت كثيرًا في البناء الحضاري الإنساني عبر العصور.
أما حين أتحدث عن أنني الآن أعمل ضمن فريق من كبار العلماء والباحثين في بلادنا على تحقيق المخطوطة لإخراجها في صورة كتاب بالعربية منقول عن نصها ينقله عنا العالم.. فإنني لا أتحدث عن طموح.. وإنما أتحدث عن خطوة بحثية أكاديمية واجبة نحاول القيام بها ونأمل أن تجد الدعم الكافي في بلادنا، ولو بالتشجيع وكف أذى الساخرين من كل شيء، المتنمرين على كل أحد.. وفي كل الأحوال سأكون سعيدًا للغاية حين يتلقى العالم بالقبول ما قطعه بحثي من خطوات وما قدمه من حلول مثبتة حول نص المخطوطة ولغتها، وما ينجزه بإذن الله فريق التحقيق من عمل ينقله عنه الشرق والغرب... والحمد لله رب العالمين.



