بين التمكين والنمطية.. كيف يعكس الإعلام الأدوار الاجتماعية للمرأة؟
شهدت صورة المرأة المصرية في الإعلام المصري بمنصاته المختلفة تحولا ملحوظا، حيث انتقلت من حصرها في قوالب نمطية ضيقة إلى تقديم نماذج أكثر تعقيدا وقوة، تعبر عن واقعها المعاصر وتطلعاتها نحو المستقبل، في ظل حراك مجتمعي ودعم مؤسسي غير مسبوق.
غلب على الشاشة المصرية لفترة طويلة صورة المرأة في أدوار تقليدية؛ فهي إما الأم المضحية التي ينحصر عالمها بين جدران المنزل، أو الضحية المغلوبة على أمرها، أو الشخصية السطحية التي تهتم بالمظاهر فقط، أو (السنيدة) للبطل، إلا أن المتابع للمشهد الإعلامي الحالي، وخاصة في مجال الأعمال الدرامية وبرامج التوك شو ضخمة الإنتاج يلمس تغيرا ملحوظا. فقد برزت المرأة في أدوار قيادية، كالمحامية القوية، والوزيرة، وسيدة الأعمال، والمحاورة المتمكنة مما يعكس اعترافا إعلاميا بالدور المحوري الذي تلعبه المرأة في سوق العمل وبناء المجتمع، وتحول "العقلية" التي تقدم بها المرأة كصاحبة قرار ورؤية.
وتناولت تلك الأعمال القضايا الاجتماعية الجدلية الشائكة، مثل حق الوصاية والحقوق القانونية للمرأة، وقوانين الأحوال الشخصية، والولاية التعليمية، وهنا تحول دور الدراما من مجرد وسيلة ترفيه وتسلية إلى أداة للتغيير المجتمعي القائم على النقاش المجتمعي، خاصة مع ظهور مفهوم (التلفزيون الاجتماعي) حيث تناقش الأحداث الدرامية والمواقف بين دوائر المستخدمين للمنصات الرقمية وتظل بين شد وجذب في الآراء، وأصبح الجمهور إلى حد كبير متوحدا مع الشخصيات التي تدور حولها القضايا الجدلية.
وبحسب تقارير "المرصد الإعلامي" التابع للمجلس القومي للمرأة، فإن نسبة النماذج النسائية الإيجابية التي تظهر قدرة المرأة على مواجهة الصعاب قد ارتفعت بشكل ملحوظ، لتصل إلى أكثر من 58% في بعض المواسم الدرامية، وهو مؤشر قوي على رغبة صناع الدراما في مواكبة التغيير.
ومع ظهور مفهوم صناعة المحتوى - وللأسف معظمه محتوى سطحي- على منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت أدوار جديدة للمرأة المصرية كـ "مؤثرة" وصانعة محتوى وفي حين ساعد ذلك بشكل جزئي في تمكين المرأة اقتصاديا أو إتاحة الفرصة أمامها للتعبير عن الذات، إلا أن ظاهرة "التريندات" كثيرا ما تروج لصورة المرأة كموضوع للنميمة والشائعات أو الإثارة، خاصة بالنسبة للشخصيات العامة، أو تحصر نجاحها في معايير الجمال الخارجي والنمط الاستهلاكي خاصة منصتي إنستاجرام وتيك توك.
هذا التناقض بين الإعلام التقليدي الذي يحاول التمكين، والإعلام الرقمي الذي قد يكرس أحيانا السطحية، يخلق حالة من التشتت في الوعي الجمعي حول الدور الحقيقي للمرأة في المجتمع.
إن تحسين صورة المرأة في الإعلام أصبح ضرورة وطنية لتحقيق التنمية المستدامة تتماشى مع الأعراف المجتمعية الأصيلة وليست الدخيلة علينا، وتتماشى أيضا مع نداءات القيادة السياسية لتحسين نوعية المحتوى والنهوض بالذوق العام، وذلك من خلال إبراز قصص نجاح ملهمة من قلب الريف والصعيد، وتسليط الضوء على المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، بعيدا عن الصراعات المفتعلة. أي أنه يجب على الإعلام التركيز على "المرأة الإنسان" بكل أبعادها النفسية والاجتماعية الثرية ذات المعدن الأصيل الذي صمد بجانب الرجل منذ فجر التاريخ على أرض هذا الوطن العظيم.


