د. بولا وجيه يكتب: عندما خدمني القدر مرتين!
لم تكن المصادفة وحدها من قادتني إلى تلك اللحظة، بل كان قدرا جميلا أن أكون ضمن خمسين شخصية فقط على مستوى جمهورية مصر العربية، تم اختيارهم في مبادرة سفراء العمل التابعة لوزارة العمل المصرية، وتحت رعاية السيد المهندس محمد جبران، وزير العمل، لحظة حملت في طياتها شعور الامتنان قبل الفخر، والمسؤولية قبل الاحتفاء.
فأن يتم اختيارك ضمن هذا العدد المحدود، فذلك يعني أنك أصبحت جزءا من رؤية وطن، ومشروع دولة، وإيمان حقيقي بأن الشباب هم عماد المستقبل لا مجرد شعارات ترفع في المناسبات.
لكن أكثر ما رسخ تلك التجربة في وجداني، لم يكن الاختيار ذاته، بل تلك الجلسة الإنسانية العميقة التي جمعتني بالسيد الوزير، جلسة لم تتجاوز نصف ساعة في الزمن، لكنها اتسعت في المعنى والدلالة.
دخلت الحوار محملا بتساؤل وقلق، بل وأنا أعرف غضب مجتمعي مشروع، حول جملة نشرت في إحدى الصحف أو البوابات الإلكترونية، تتعلق بالإجازات الرسمية في البلاد، جملة أسيء فهمها أو أسيء صياغتها، فأثارت استياء شريحة واسعة من المصريين، وخلقت حالة من الجدل والاحتقان لا داعي لها.
كنت أظن أن الأمر سيمر مرور الكرام، أو يقابل بتبرير بروتوكولي، لكن ما وجدته كان على النقيض تماما.
وجدت أمامي مسؤولا متابعا، ملما بالتفاصيل، حاضر الذهن، يستمع أكثر مما يتكلم، ويزن الكلمات قبل أن ينطق بها. مسؤولا يدرك أن الكلمة قد تهدئ وطنا، أو تشعل قلقه.
وخلال الحديث، أكد لي السيد الوزير أنه وجه تعليماته الواضحة بأن تقوم الجهة الصحفية التي نشرت تلك الجملة بإعادة صياغتها بشكل دقيق وصحيح كما أخبرني بأنه سيعمل على تعديل مسمى الاجازات، بما لا يفتح بابا للبس أو سوء الفهم، وبما يحترم وعي المواطن المصري وحقه في المعلومة الواضحة.
في تلك اللحظة، أدركت أننا لا نعيش في جزر منفصلة، بل نعمل جميعا ونتحرك تحت مظلة وطن واحد، اسمه مصر. وأن المسؤولية لا تتجزأ، وأن الكلمة حين تصدر من منصة عامة تصبح أمانة وطنية.
وما زاد من تقديري لتلك التجربة، هو ما لمسته عن قرب من حب حقيقي للشباب، وحرص صادق على دعمهم وتأهيلهم، ليس بوصفهم مجرد أرقام في مبادرات، بل ككوادر حقيقية يعول عليها، ويستثمر فيها بالعلم والتأهيل والثقة.
خرجت من هذا اللقاء وأنا أكثر يقينا أن مصر بخير، ما دام فيها مسؤولون يدركون قيمة الاستماع، ويحترمون وعي الناس، ويؤمنون بأن بناء الدولة يبدأ من احترام الإنسان.
كانت تجربة شخصية، نعم، لكنها في جوهرها شهادة حق، ورسالة طمأنينة، ودعوة لأن نحسن الظن، وأن نشارك بوعي، وأن ندرك أن الوطن لا يبنى بالصخب، بل بالحكمة، والعمل، والانتماء.


