بالممر سنمر
ثلاث عشرة مرة صفق فيها جمهور سينما الزمالك حفلة الواحدة صباحا “كاملة العدد”, وهم يشاهدون بطولات ابطالهم رجال القوات المسلحة, يضربون اروع الامثلة فى محاكاة واقعية قدمها لنا فيلم ” الممر” .
غيرة وحماسة شديدان سيطرتا على وجدان وعقول من كانوا يشاهدون الفيلم , وفى القلب منهم شباب وفتيات لم يعاصرورا لا مرارة نكسة 67 ولا حلاوة نصر 73 , ويسمعون قدرا قليلا عن مرحلة بينهما سُميت ” بحرب الاستنزاف ” . ” لسه جاى من وسط العتمة ضي , يفرد جناح النور ويوهبلك حياة ” هكذا تقول اغنية الفليم , التى تعبر بما لايدع مجالاً للشك عن هدف الفيلم الحقيقى , ” الادارة وحدها قادرة على صنع المستحيل ” ولنا فى بطولات الجيش العبرة والمثل .
من وجهة نظرى كمشاهد فى المقام الاول , وصحفى ومهتم بالسينما والدراما بل ودرست قدراً منها , ولدى صداقات متعددة مع فنانين وكتاب ومبديعن , فأننى اشهد الله ان هذا العمل لم تنتجه السينما المصرية من قبل , بل سيظل محفورا فى وجدان وعقول المصريين لما احتواه من اهداف ورسائل نحن الان اشد الحاجة اليها , دعونى اذكر بعضا منها :
- يركز الفليم على مرحلة حرب الاستنزاف التى ابت السينما المصرية على مدى العقود الماضية, ان تظهرها بصورتها الحقيقة , فلولا العمليات البطولية التى كان يقوم بها رجال القوات المسلحة وقتها لما كان نصر السادسي من اكتوبر ان يتحقق .
-
فى ” الممر ” القيادة متهمة بالتقصير وعدم تقدير الموقف , وهى مطالبة بإعادة الهيكلة , وهذا ما تم بالفعل دون خجل , فى الوقت نفسه , الجنود والضباط على الجبهة ورغم هزيمة يونيو 67 فى قلوبهم حمية وحماسة ترهب اى عدو , وتدفع اى قيادة كانت الى اعادة ترتيب اوراقها من جديد , ولعى مشهد الجندى الذى كان يطارد طائرات العد وسط الصحراء دون ساتر خير شاهد على مدى الغيرة والثأر من العدو , التى كان يتمتع بها الجندى المصرى وقتها وحتى الان .
-
واقعية الفيلم تبدو فى المعارك التى تمت بحرفية شديدة واتقنها ممثلوها, الذين وفرت لهام ادارة الشئون المعنوية بالجيش المصرى, كل الامكانات والمهارات , حتى ان العسكريين انفسهم ظنوا انهم امام معركة حقيقة وليس اداء تمثيلياً .
-
اقترب صناع الفليم من بعض المشكلات الاجتماعية تلك الفترة من تهميش للبدو واهالى النوبة وغيرهم , عرضوها بكل واقعية , ليثبت الفيلم مجددا , وطنية وشجاعة يتحلى بها هؤلاء المهمشون الذين اصبحوا الان فى مصر الحديثة وبالاخص ما بعد الثلاثين من يونيه , مشاركين فى صنع القرار ومؤثرين بالقدر الكبير .
-
جسد الفيلم المزاج العام للمصريين وقتها, رافضين للهزيمة مستنكرين الاحتلال الاسرائيلى لأى شبر من اراضى سيناء , متمسكين بالحرب كخيار وحيد , حتى وان اظهر البعض غضبهم ازاء هزيمة يونيو , لكن تظل كل معانى الوطنية فى وجدان وعقول المصريين مهما مرت عليهم ازمات وانتكاسات .
للفيلم رسائل عدة ومعاني كثيرة تتخلص فى الروح القتالية والارادة المصرية التى ان ظهرت , وقف لها العالم منبهراً , نعم حقق المصريون انتصارات عدة بعد هزيمة يونيو , وليس من العدل باى حال ان تُنسب فقط الى حرب اكتوبر 73 بل لعمليات حرب الاستنزاف نصيب الاسد للوصول الى انتصار شامل على كيان الاحتلال الأسرائيلى .
ولاشك اننا الان فى مرحلة شبيهة بما جرى بعد نكسة يونيو , حرب استنزاف مع قوى الارهاب والظلام وجماعات الاسلام السياسي المتطرفة , وتحديات اقتصادية واجتماعية عدة هى بمثابة تركة ثقيلة ورثتها القيادة الحالية من الانظمة السياسية السابقة , التى دأبت على البعد عن حل جوهر المشكلات , مرحلة تتطلب منها ان نعى جيداً اننا سنمر الى بر الامان , وها نحن نعيش الان مرحلة تثبت ان الامل قادم لا محالة , حتى وان كان المشوار طويلاً .