الإثنين 03 يونيو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ركاب القطار

القاهرة 24
السبت 02/نوفمبر/2019 - 12:24 ص

من الحوادث التي أقفُ مذهولا أمامها، ومذهولا من واقعتها حادثة القطار، ليست من الحوادث الطبيعية التي نستطيع أن نمررها بدم بارد، أو قلب هاديء … حقيقة حادثة تستحق الانزعاج بكل المقاييس.

فلم تكن شيئا كتبه القدر علينا، حيث الحوادث أو الحرائق، ولا شيئا عاديا يحدث جرّاء إهمال موظف أو تقصير عامل، حيث خروج القطار عن القضيب أو انفكاك إحدى عربات القطار، لا … هذه الواقعة مختلفة، إنها قتلُ عمدٍ مع سبق الإصرار و(التعمُّد).

ماذا يعني أن أحد الركاب يرمي نفسه من قطار أثناء سيره لأنه لا يحمل ثمن التذكرة؟ وحدثني عن شعورك بالسرعة بمجرد أن تسمع اسمه (قطار)، ومنذ متى كان البائعون الجائلون يدفعون أجرة ركوبهم المواصلات؟ منذ متى؟ وكيف يظن أحدٌ أن الذي يرمي نفسه من القطار ربما يجُرح فقط دون موت؟ هذه كلها حجج ليمرروا بها جريمتهم، فلا المفتش يعاقب، ولا يأخذ أهل القتيل تعويضا عن قتيلهم، ويصدّقهم في ذلك السذج والمجاذيب.

إلا أن الذي أثار دهشتي، وهيّج عليّ مكامن الذعر والقلق، هي سلبية الركاب والحاضرين، كيف كانوا بهذه السلبية؟ وكيف وصلوا إلى هذا الحد؟ حتى أصبحنا نشاهد القاتل يقتل، وما ننصر المقتول وننقذه من القتل؟ هذه سلبية مستحكمة، وجريمة خطيرة في حق أنفسهم ودينهم وأوطانهم، لا يسلموا من مؤاخذة الله لهم في الآخرة، بل إنهم مسؤولون.

ولذلك سلبيتهم سجّلت عليهم مشاركتهم في إثم هذه الجريمة، فهي ليست جريمة ضرب، أو سباب، أو سرقة، إنها جريمة قتل، تعيّن عليهم جميعهم إيقافها بكل ما أوتوا من قوة، أما تمريرها أمام أعينهم أشرَكَهُم في إثمها، وحمّلهم شيئا من وزرها، بل إنهم هم القتلة الحقيقيون.

جاء في كتب التفسير أن الذي عقر ناقة سيدنا صالح –عليه السلام- هو شخصٌ واحدٌ اسمُه (قدار بن سالف)، وكان أسفَهَ القوم، إلا أن القرآن الكريم لما ذكر الواقعة ذكرها بصيغة الجمع، فقال –تعالى- في سورة هود: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} (سورة هود الآية رقم 77) مع أن الفاعل واحدٌ، إلا أن أولئك كانوا راضين بالفعلة، أو على الأقل رأوه ولم ينهوه عن فعلته، أو يردوه عن جريمته.

فكان الركابُ قادرين على أن يجمعوا من بعضهم ثمن تذكرة للشابين (140 جنيه مش حاجة يعني) ويعفونهم من القتل، بدلا من تمريرهم لقتلهم، كما كانوا خليقين بالزمجرة في وجه الكمسري أو المفتش، ومنعه من إلقائه إياهم من باب القطار، أو الوقوف كلهم أمامه ليرغموه على أن ينتظر أقرب محطة، وينزلهم من القطار فيها، حتى يُكتب لهم عند الله –تعالى- لهم تغييرُ المنكر باليد.

نعم، إن حاولوا وتغلُب الأمرُ عليهم فلا حرج عليهم، وليس عليهم جناح إن شاء الله.

فاللهم أنزل على قبر الشهيد الرضت والرضوان، وعلة قلوب أهله الصبر والسلوان … آمين.

تابع مواقعنا