السبت 18 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تربيةُ الأبناء.. أمانة

القاهرة 24
الأربعاء 18/ديسمبر/2019 - 04:08 م

نقرأ في سفر الأمثال: “الابنُ الحكيم يَسمَعُ تأديب أبيه، وأمّا الساخرُ فلا يسمع التوبيخ” (أم 1:13)، ويضيف في مكانٍ آخر: “الابنُ الحكيمُ يَسُرُّ أباه والابن الجاهل غَمٌّ لِأُمِّه” (1:10). لا نستطيع أن ننكر أهمية وضرورة دور الوالدين في نمو أولادهما أخلاقياً وأدبياً وعلمياً، لأن التربية الصحيحة والصحيّة تبدأ من البيت أولاً، وعندئذٍ تُصاحب الإنسانَ وتلتصق به طوال حياته، ولا سيما إذا عرف الآباء أن يقرنوا أقوالهم بأفعالهم، لأن الأبناء يفضّلون أن يروا المثل الصالح أمام عيونهم عن ترديد النصائح والملاحظات، ثم يأتي بعد ذلك دور المَدْرَسة التي تتابع وتُكمّل تربية الأهل، وهذه التربية تشمل الواجبات نحو الله والآخرين وأنفسنا، ويجب أن تكون بإتقان وأمانة لنصبح صادقين ومخلصين. فالوالدان هما المربّيان الأوّلان اللذان يتركا دمغتهما وبصمتهما في سلوك أبنائهما حين يصبحون رجالاً، ويجب أن يدرك الأهل بأن البيت هو التُربة التي يمتص منها الأبناء كل عناصر طِباعهم وأخلاقهم، وبالتالي كل تصرفاتهم، لأنه من الصعب أن تقوم المَدْرَسة بتقويم ما هو أصبح معوجّاً وغير صالح من طباع الأبناء، أو إصلاح ما أفسده الجو الأسري.

نحن جميعاً نؤمن ونثق بقدرة الله على كل شيء، ولكن عندما نضع فيه كل ثقتنا، لا يعني أن نتخلّى عن واجباتنا والتزاماتنا المطلوبة منّا، فالله خلقنا أحراراً ولكن هذا لا ينفي احترامه لدورنا الإنساني المطلوب منّا في الحياة والأسرة والمجتمع، الله يعضّدنا ولكن ليس كما يفعل مع باقي الكائنات التي لا تمتلك عقلاً، فهو يساعدنا ويحترمنا كمخلوقات حرّة وفعّالة ونشيطة وتتحلّى بالذكاء وكما يقول الكتاب المقدّس: “الله صَنَعَ الإنسانَ في البدء وتركه يستشيرُ نَفْسَه، فإن شئِتَ حَفِظتَ الوصايا وأتممت ما يرضيه بأمانة” (يشوع بن سيراخ 15: 14-15). ونجاح هذا الدور في التربية يأتي باحتضان الأبناء والاستماع إليهم وقبولهم ونتذكّر في هذا الصدد أن أحد الآباء أتى للمعلّم ليشكو ابنه الكسلان في الدراسة وكافة واجباته حتى يؤدّبه، لكن المعلّم طلب المكوث مع الابن على انفراد، وبعد ساعات قضاها في الحوار معه والاستماع له بكل حنانٍ ورفق، قال للأب: أنا قمت بتأديب ابنك، ومن الآن فصاعداً لن يتكاسل أبداً”.

نتعلّم من هذا المثل أن التأديب بدون حُب وعطف واحتضان الأبناء عقيم وغير مُثمر، وتمرّد الأبناء ليس دائماً نتيجة عدم الرعاية أو قلّة الحياة الرغدة أو ندرة الهدايا والمكافآت، ولكن نُرجع ذلك إلى نقص في التقرّب منهم والاستماع لهم والعطف الحقيقي عليهم. كل شيء متوفر لهذا الجيل من تكنولوجيا حديثة وإمكانيات سهلة للتواصل عن بُعد، ولكن هناك ندرة في الحوار بين الآباء والأبناء واحتضانهم حتى يضعوا ثقتهم التامة فيهم. فالتربية الحقيقية هي عطية يجب أن نطلبها من الله لأنها فناً صعباً، وأحياناً توافر الامتيازات الخارجية المُبَالغ فيها التي تُمنح للأبناء هي علامة على عدم قدرة الوالدين في بناء جواً حقيقياً وعميقاً مع الأبناء، كثيرٌ من الأهلِ يُفَضّلون أن يسعدوا أبناءهم أكثر مما يفهمونهم، كما يُفضّلون أن يشاهدوهم مكتفين ومرتويين من كل شيء أكثر مما يدركون أسئلتهم وعطشهم الداخلي، ويُعبّر داود النبي عن الصورة الحقيقية للوالدين قائلاً: “الربُّ حنّانٌ رحيم وَدُود مُحِب حليم… كرأفة الوالد بأبنائه رأف المولى بأتقيائه” (مز 13،8:102). للأسف، بعض الآباء يتساهل مع أطفالهم في كل شيء دون أدنى رقابة، ثم يشكون من فساد الأخلاق وانحلال الأجيال الحاضرة، لكن يجب عليهم أن يعلّموا الأطفال معنى البطولة الحقّة، والرجولة والشرف والإنسانية والأخلاق النبيلة.

كم من المرارة التي تُصيب بعض الآباء والأمهات بعد قيامهم بواجبهم نحو أبنائهم بكل إخلاص وأمانة وتضحية، وتأتي اللحظة التي سُرِق فيها أبناءهم من بين أيديهم بسبب أحد الأصدقاء الفاسدين الذي غيّر حياتهم وتربيتهم وجعلهم يسلكون طريق الإدمان أو الأخلاق الفاسدة، إذاً، ليست المرارة بالنسبة للآباء إنجاب ابناً ذي احتياجات خاصة أو كفيفاً أو به أي عاهة مستديمة، ولكن الكارثة الحقيقية هي أن يصبح ابنهم ضالاً وفاسداً وأنانياً وعاقاً رافضاً طاعتهم بتاتاً. فالميراث الحقيقي الذي يقدّمه الوالدان لأبنائهما ليست الأراضي والعقارات أو المال، ولكن بلوغهم الحكمة والفطنة في المثَل الصالح والفضيلة، لأن كل هذه هي ثروات من ذهبٍ وأكاليلٍ وأطواق غالية الثمن يتركونها لأبنائهم. لأن الأمومة والأبوّة الحقيقية هي قبل كل شيء الاهتمام بنفوس الأبناء والسهر على أخلاقهم، وتذكيرهم بوجوب مخافة الله. ونختم بكلمات ﭼورﭺ واشنطن: “النَبت الصالح ينمو بالعناية …. أما الشوك فينمو بالإهمال”.

تابع مواقعنا