رسائل السيسي من سيناء.. كيف خاطب الرئيس المصري إسرائيل ورجال الأعمال والشعب؟ (تحليل)
في اللحظة التي خلع فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي الكمامة الواقية عن وجهه ليتحدث على نحو أكثر ارتياحا أثناء افتتاحه أمس لعدد من المشروعات القومية في الإسماعيلية، بدا أن السيسي مشحون بدفقة من الإيماءات والتصريحات التي خطط جيدا لتوزيعها على مدار فعاليات الافتتاح، سواء في كلمته المباشرة أو في تعليقه على توضيحات المسؤولين وتعليقاتهم حول المشاريع محل الافتتاح.
فقد توجه برسائله لإسرائيل وللداخل المصري ولرجال الأعمال، ولبعض القائمين على شؤون الإعلام والعاملين فيه.
فقد بدا واضحا أنه برسائل الأمس استهدف أكثر من طرف، بمعزل عن التغطيات الصحفية التي انشغلت بما يمكن الفهم أنه “رد” على مقال “نيوتن” في المصري اليوم الذي نادى بوجود حاكم مستقل لسيناء، فقد تجاوز السيسي صلاح دياب (رجل الأعمال ومالك المصري اليوم) ككاتب للمقال، إلى شخصه كرجل أعمال، يمكن الفهم من مجمل كلمات السيسي أنه لم يساهم في تنمية سيناء، قبل أن يتفضل “دياب” وينظِّر لمثل هذه المقترحات.
حيث بدأ الرئيس بتوجيه اللواء إيهاب الفار، مدير الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بإعادة النظر في تخطيط بعض المناطق والإنشاءات الحديثة في سيناء، مخافة ظهور “عشوائيات” في بعض الهوامش الضيقة.
وهي على ما يبدو رسالة جلية إلى أن سيناء سيتم إعمارها وتكثيف الوجود السكاني بها لدرجة التخوف من ظهور عشوائيات سكانية، وهو ما أشار له الرئيس في موضع لاحق من أن اجتذاب الكثافات السكانية من الدلتا والصعيد لأرض سيناء، قد يستغرق من ٥ لـ ١٥ عاما.
ثم تعليقه على مئات المليارات التي تنفقها الدولة لتنمية سيناء، دون وجود إمكانية لحصاد ما تم إنفاقه مقابل مالي من وراءها، بأنه لدواعي الأمن القومي وأن “الأمن القومي لا يقدَّر بمال”.
وبهذه التصريحات تصل رسائل السيسي لتل أبيب بأن تعمير سيناء “أمن قومي”، وأن نقل الكثافة السكانية وإقامة المشروعات واستصلاح الأراضي، بمثابة تجاوب مع الدعاوى المتكررة على مدار عقود من ضرورة وجود حائل بشري وموانع زراعية وطبيعية تعوق أي تقدم عسكري محتمل من ناحية سيناء.
وهي بمثابة رد بأثر رجعي على الاتهامات التي طالت النظام المصري طيلة الأعوام الثلاثة الماضية من أنه سيدخل سيناء ضمن ما قيل بأنه صفقة القرن، وبأنها ستكون جزءا من التسوية الكلية للصراع العربي الإسرائيلي.
وهذه الرسالة إذ تستهدف الخارج الإقليمي والداخل الوطني، بتوجيه رسائل واضحة بعدم التهاون في مسائل الأمن القومي، فإن الرجل استغل الفرصة لتوجيه ضربة مدروسة لرجال أعمال.
فطالما أثيرت مسألة إحجام رجال الأعمال عن مساعدة النظام أو الاندماج مع خططه الاقتصادية والتنموية، الأمر الذي خلَّف غصة في نفس الرئيس ضمن غصة أكبر سبق وأن أشار إليها بأن الدعم الإقليمي الاقتصادي الذي كان متوقعا لمصر، فور اعتلائه لسدة الحكم لم يكن كما كان “موعودا” به.
وقد استغل السيسي الظرف العام المحتقن ضد رجال الأعمال الذين تورط عدد منهم مؤخرا في تصريحات أثارت غضبا واسعا بشأن ضرورة استعادة وتيرة العمل والإنتاج، في تجاهل للضوابط الوقائية لصحة العاملين، في ظل ظروف الحظر والأجواء العامة، التي فرضتها جائحة كورونا على كل المناحي.
حيث قال السيسي إن الدولة أنفقت ٦٠٠ مليار جنيه مصري في سيناء دون مساعدة من رجال الأعمال، وأنه يدعو رجال الأعمال للاستثمار والعمل في سيناء، مذكرا الجميع بأنه سبق وأن دعاهم من قبل للاستثمار في عدة مشاريع قومية دون أن يلبي أحد النداء، لتتحمل الدولة المسؤولية بمفردها.
وهي بادرة “تعرية” ربما تتطور لهجوم شعبي وإعلامي أكثر في الأيام القادمة ضد ممارسات رجال الأعمال التي يفهم من كلام الرئيس أنها “أنانية” ولا تراعي المصلحة الوطنية العامة.
وهي معركة ربما تضم أطيافًا مختلفة داخلها، من بينهم خصوم سياسيون لعبد الفتاح السيسي نفسه، لكنهم يتفقون من حيث التشخيص حول هزلية دور رجال الأعمال في الشأن العام وفي إقرار وتمرير إجراءات عدالة اجتماعية تتناسب مع المكاسب التي يحصلونها، والامتيازات الضريبية التي ينعمون بها.
سيما أنه أشار إلى رفضه لأي إجراءات قد تخفض من أجور العاملين، في إيماءة صريحة لدعاوى بعض رجال الأعمال لتخفيض أجور العاملين في شركاتهم ومصانعهم.
وجاءت هذه التصريحات ضمن إشارته إلى أحلامه القديمة بتكريك بحيرة المنزلة وكل بحيرات مصر وتطهيرها، في إشارة إلى أن الرجل يدرك مشاكل مصر جيدا، وكان يتجهز لها منذ زمن طويل، الأمر الذي قد يضفي شرعية على الرجل صاحب الحلم القديم بتطوير مصر والذي واتته الظروف بالمجييء رئيسا لها.
حديث السيسي بالأمس هو الأول من نوعه تقريبا، منذ تقليل وتيرة ظهوره بصورة لافتة على مدار الأشهر القليلة الماضية، والذي بدا أن الرجل عمل خلال هذه الفترة أو عُمل له، بحيث تعاد صياغة ظهوراته ويعاد تشكيل ملامح شخصيته مرة أخرى.


