الأربعاء 24 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

عميد دكتور عمرو ناصف يكتب: الشهيد ياسر فريج عيسوى.. “حكاية بطولة”

القاهرة 24
ثقافة
الخميس 14/مايو/2020 - 03:09 ص

لم تتوقف منطقةُ (البرث) القابعةُ على الحدود المصرية الفلسطينية فى شمال سيناء عن تصدير الشهداء يوماً بعد يوم، ومنذ عشرات السنين وليس فى الآونة الأخيرة فقط.. فالعملاءُ والخونة من الجانبين -المصرى والفلسطيني- متوافرون وبكثرة فى هذه المنطقة.. تصل بينهم عروق الخسة والخيانة من الأنفاق التى تفننوا فى حفرها وإخفاء فتحاتها فى قاع خزائن ملابسهم وأسفل أرضيات الحمامات بمنازلهم التى لا يفصلها عن السلك الحدودى سوى أسفلت المرور التابع لقوات المنطقة (ج).. وهم لا يتوانون عن قتل رجالنا – جنودا وضباطا – جيشا وشرطة.. بل وتدمير كل مايقف أمام نشاطاتهم الخارجة عن القانون من تهريب للسلاح والمخدرات وتهريب الفتيات الأجنبيات المستقدمات من جنوب سيناء وبيعهن فى إسرائيل……. إلخ.. وصولاً إلى جلب وإيواء ودعم العناصر الإرهابية والميليشيات المرتزقة التى حاربت مصر كلها بعد خلع نظام الحكم المتأسلم المحتال. تلك الأعمال الإجرامية التى -بفضل الله ثم رجال مصر- تم القضاء عليها تماماً الآن بقوة جيشنا وشرطتنا ووعى شعبنا العظيم. فقبل الشهيد البطل/ أحمد المنسى بحوالي عقد كامل من الزمان جاء إلى أرض الشهداء شهيد آخر لم تذكره الأيام.. بطل شأنه شأن كثير من أبطالنا الذين حاربوا من أجل مصر في الظل ورحلوا في هدوء.

 

الشهيد الرائد  ياسر فريج عيسوى
الشهيد الرائد  ياسر فريج عيسوى

ابن قرية شباس عمير/ كفر الشيخ.. ضابط سلاح الاستطلاع.. خريج الكلية الحربية عام ١٩٩٣ – الدفعة ٨٧ حربية، والمنتقل إلى قيادة الفوج الأول حرس حدود برفح في نشرة تنقلات الضباط يوليو ٢٠٠٧. وفور علمي بانضمامه إلينا في تلك النشرة بادرت بالاتصال به للتنسيق حول توقيت وصوله وتحديد مكان وتوقيت المقابلة -وقد كنت أشغل وظيفة ضابط عمليات القطاع في ذلك الوقت- ثم أوصلته من بعد بنفسي إلى الفوج بعد إنهاء الإجراءات الورقية في قيادة الجيش في الإسماعيلية. كان كعادته -وشأن كل أبطال الجيش المصرى- متقداً عزيمة.. متفجراً نشاطاً وهمة.. آملا أن يكتب لمصر فى كتاب تاريخها ولو أسطر بسيطة من الوفاء والعزة.. وما لبث منذ ذلك الحين أن انخرط بالفعل فى كتابة التاريخ مع أقرانه وزملائه من الضباط والصف والجنود فى رفح وشمال سيناء على وجه الخصوص، وفى شبه الجزيرة كلها على وجه العموم ولليوم.. في مساء يوم الأحد ٢٨ / ١٢ / ٢٠٠٨م.. وككل ليلة في وحدات الجيش المقاتلة.. حينما يجتمع الضباط مع قادتهم يتدارسون ما تم إنجازه خلال اليوم من أعمال والدروس المستفادة من النجاحات والإخفاقات المنفذة على حد سواء.. مخططين لما سيتم تنفيذه غداً.. موزعين الأدوار ومهام القتال والتأمين وغيرها.. وفى مساء من تلك الليلة يهب الشهيد الرائد/ ياسر لركوب عربة توزيع الذخيرة على نقاط التأمين على طول خط المواجهة بقطاع رفح.. ورغم محاولات زملائه لإثنائه عن ذلك بحجة أنه ليس دوره.. أو محاولين نزع ذلك الفضل منه متسارعين فى نيله لأنفسهم علهم يلقون استشهادهم ذلك اليوم.. انطلق ياسر مسرعاً إلى قدره.. ثم توارى بين الأبنية والأشجار وكأن استشهاده يناديه (أقبل) وهو يجاوبه (ها أنا ذا).

فى تلك الفترة الزمنية (٢٠٠٦ – ٢٠٠٨) كانت الأوضاع مشتعلة على السلك الحدودى بين الجانب المصري غرب الحدود وعناصر حماس وأعوانهم من الخونة من كافة الجنسيات الإرهابية في الشرق.. فقد كان ليس ببعيد نزوحهم إلى العريش في ٢٠٠٦ بعد اجتياحهم منفذ رفح البري بالقوة وتدميره وتفجيرهم بال آر بي جي لأجزاء كبيرة منه، وإصابة العاملين به إصابات بالغة ثم انتشارهم فى العريش وإنفاق الملايين من الدولارات المزورة ومحاولات الكثير منهم للاختباء بالمدينة للقيام بأعمال إرهابية لاحقاً.. ومع استمرار الرصاصات الطائشة وقنابل الصوت والدخان العابرة للحدود وغيرها من مناوشات مستمرة التى يمر الرائد/ ياسر بينها فى تلك الليلة ليتمم المرور على النقط وتفقد القوات وتوزيع الذخيرة.. حتى وصل إلى إحدى نقاط التأمين، حيث فوجئ هو والجنود المتواجدون بالنقطة بعناصر من جماعة حماس يمطرونهم بوابل من الرصاص من أعلى المنازل الموجودة بالجانب الفلسطينى.. لم يكن أحدٌ من قوة النقطة يتخيل أن ذلك الأخ الفلسطيني هناك.. الناطق بالعربية.. الدائن بالإسلام.. هو من يريد قتله.. ودون أدنى سبب معروف.. ودون أي سابق عداوة أو إنذار.

احتدم الوطيس.. وقاتل ياسر فريج إلى جانب جنوده كالوحوش.. وكثرت الإصابات من الجانبين.. ولكثرة أعدادهم تمكنت أفراد من عناصر حماس من اعتلاء السور الحدودى الفاصل.. وفي المقابل اعتلى الشهيد/ ياسر سطح إحدى الأبنية المهجورة والمواجهة لأعمال القتال.. وأمام كثرتهم العددية وتطور الأسلحة لديهم تمكنوا من اقتحام السور ودخول الأراضي المصرية.. استشهد وأصيب على إثر ذلك الكثير من الجنود الذين كانوا ينادون على قائدهم وهو يصرخ فيهم: – اثبتوا يا رجالة.. نموت ومحدش فيهم يخشها برجله. – إحنا وراك يافندم.. بإذن الله شهداء مش أسرى.

ومن الحوار الدائر بين الشهيد البطل ورجاله عرف أولئك الأنذال بأن الموجود في أعلى سطح البناية هو ظابط.. وهو نعم الغنيمة.. ظناً منهم أنه فريسة سهلة سيتمكنون من أسره واصطحابه لفلسطين للمتاجرة بصوره وفيديوهاته.. ولكن البطل تمسك بسلاحه وعرضه وشرف أرضه.. وبعد أن تمكنوا من قتل وإصابة كل الجنود المتواجدين على الأرض.. صعدوا إليه في الأعلى وقد نفدت ذخيرته.. وتلاقت الوجوه.. الوجوه المسفرة المستبشرة ووجوه عليها غبرة ترهقها قَطَرة.. حاولوا أن ينزعوا منه سلاحه لكنه احتضنه في إباء.. أمروه بالركوع والانبطاح فرفض في شموخ.. خلعوا عنه سترته الواقية ووعدوه أن يطلقوا سراحه إن استجدى منهم حياته وهم يصورونه.. فامتنع فى شرف.. ومن مسافة المتر الواحد أمطروه برصاصات الغدر والغل.. ومع أول طلقة في قلبه نظر في أعينهم نظرة ذاعت الرعب في أواصلهم وهو لا يزال واقفا على قدميه.. فانهالوا في فزع بالرصاص على سائر جسده ظناً منهم أنه لا يموت فازداد شموخاً وصارت نظرته أكثر حدة.. حتى إذا هوى.. هوى في عزة وكرامة.. جثا على ركبتيه ولم ينبطح.. أسند ظهره إلى أحد الأعمدة الخرسانية.. ولفظ روحه الطاهرة وهو يحدق في عيونهم.. حتى أنهم من رعبهم منه أخذوا يركضون متناسين أن يأخذوا الجثمان الطاهر معهم ليتسولوا به التأييد والمال على مواقعهم الإلكترونية.. واستشهد البطل.. جالساً.. مرسلاً نظره إلى السماء.. عاقداً أصابع يمناه فى وضع التسبيح. رحم الله الشهيد الذى فر قاتلوه خوفاً من جثمانه.. ومن نظرة عينيه المرعبة.

تابع مواقعنا