الخميس 28 مارس 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

“الحلوة!”

القاهرة 24
الجمعة 25/سبتمبر/2020 - 06:16 م

 

  • في واحدة من القرى الريفية في ولاية “ماساتشوستس” اتولد الطفل الأمريكي “كيني ووترز” ” Kenny Waters” في أسرة فيها 8 أطفال تانيين غيره!.. “كيني” كان هو الابن الأكبر.. طبعًا لك أن تتخيل شكل حياة الأسرة البسيطة دي، وهي فيها 9 عيال مرة واحدة كان عامل إزاي!.. ضغط لا نهائي بالنسبة للأب والأم عشان يكفوا الاحتياجات الأساسية ليهم ولأولادهم!.. كمان العدد الضخم ده من الأطفال مش من الحاجات اللي ممكن تشوفها بسهولة في أسرة أمريكية حتى لو كنّا بنتكلم عن أسرة في قرية!.. عشان كده الأمر تطلب إن بمجرد ما “كيني” يقف على رجليه إنه يشتغل عشان يساهم معاهم فى مصاريف البيت.. عمل كده فعلًا.. من ضمن إخواته كان فيه بنوتة صغيرة اسمها “بيتي آن ووترز” ” Betty Anne Waters”.. “بيتي” ماكانتش أحلى إخواتها بمقاييس الجمال اللي متفق عليه معظم الناس.. طفلة شعنونة.. صوتها حاد، ومزعج.. شعرها بيتسرح بصعوبة.. فين وفين لما تضحك.. كانوا بيقولوا عليها طفلة كئيبة!.. أو بمعنى أدق “القبيحة”.. في الأول وفي الآخر دي طفلة يعني، ووصفها بالكلمة دي ممكن يسبب لها اكتئاب حقيقي ويخلّي لقب “طفلة كئيبة” اسم على مسمى.. المشكلة بقى إن تكرار الكلمة سواء من الأهل أو الأخوات عمل فعلاً أزمة نفسية للبنت، وزود إنطوائيتها.. الوحيد فى البيت اللى كان بيعامل “بيتي” معاملة لطيفة وفى منتهى الجمال هو أخوها “كيني”!.. رغم فرق السنين اللى بينهم بس هو كان بيعتبرها بنته مش أخته، والكلمة الوحيدة اللى كانت بتتنطق على لسانه كل ما بيشوفها وياخدها فى حضنه وهو راجع من بره “أميرتي الحلوة”.. حتى لما كبروا شوية، وكان باقى إخواتها يحاولوا يسخفوا عليها، وعليه ويقولوله بما معناه هى فين “الحلوة” دى يا عم!.. أنت مش شايف شعرها عامل إزاي!.. أنت مش واخد بالك من طريقة كلامها المتلخبطة، والحروف اللى نصها طاير!.. أنت مش ملاحظ إن صوتها رفيع زيادة عن اللزوم، ويخلّيك تضحك!.. كان “كيني” يشخط فى الكل، ويقول لهم إنه مش شايف كل اللى هما بيتكلموا فيه ده، وإن “بيتي” فعلاً هى أحلى واحدة فيهم من وجهة نظره!.. بالتدريج بقت كلمة “الحلوة” اللي بيقولها لـ “بيتي” هى البنزين اللي بيديها ثقة فى نفسها فوق الوصف، وبتبقي سبب تحملها لأى مضايقات تشوفها من أى حد.. تمر الأيام.. تحديداً فى سنة 1980 كان “كيني” وصل عمره لـ 25 سنة تقريباً.. خرج عشان يعيش لوحده فى بيت صغير منفصل بس برضه فضل يواصل مساعدته، وزياراته لأسرته من وقت للتاني.. إشتغل طباخ فى مطعم.. الحقيقة إنه كان طباخ متميز، ومتمكن جداً، ومحبوب من كل زمايله فى الشغل، وجيرانه.. وأهو حبه لجيرانه ده هو سبب أكبر مصيبة تحصل له فى حياته!.. فى يوم وهو راجع من المطعم لمح إن فيه نور مفتوح فى البيت اللى لازق فى بيته رغم إن الوقت كان نهار لسه!.. كعادة الأمريكان الطبيعي إنه هيقول وأنا مالى تلاقيهم نسيوه وخرجوا أو ناموا!.. بس الغريب اللى خلاّه يقف، ويفكر هو إن باب البيت كان متوارب!.. يدخل ولا مايدخلش؟.. لأ.. هدخل وأشوف فيه إيه!.. دخل.. لقى جارته السيدة “كاثرينا ريتز براو” مقتولة وغرقانة فى دمها فى نص الصالة بالظبط!.. ماتعرفش إيه اللى حصل بس غصب عنه لما حاول ينقذها أو يشوف فيها إيه بصماته بقت هى اللى منتشرة فى موقع الجريمة!.. هوب الشرطة جت.. هوب شافوا المحتويات لقوا إن مجوهرات “كاثرينا” مسروقة، وفلوسها كمان اتلطشت.. هوب تحقيق يمين.. هوب تحقيق شمال.. كلمتين من هنا على كلمتين من هناك ماتفهمش الظابط اللي بيحقق حب يريح دماغه، ولا إيه؛ فقرر يتهم “كيني” إن هو اللى قتل!.. يا عم إزاي بس!.. لأ أنت اللى قتلت!.. من الحاجات اللى ثبتت التهمة عليه برضه هى الشهادة الزور لواحد جارتهم عليه، واللى قالت إن “كيني” إعترف لها إنه عايز يقتل “كاثرينا” قبل كده!.. هناك إجراءات التقاضي مختلفة شوية عن عندنا عنا.. بمعنى إن “كيني” فضل رايح جاى بين جلسات إستماع، وحضور لتحقيقات لمدة سنتين كاملين.. طبعاً حياته، وقفت، والشغل بتاعه طرده، وحالته إتقلبت 180 درجة!.. الإنسان الوحيد اللي كان بيخفف عليه هى أخته “بيتي”، والشيء الوحيد اللى هو فضل بيعمله رغم الموقف اللى هو فيه كلمة “الحلوة” اللي بيقولهالها!.. بس حتى مع محاولات تخفيف أخته عنه فضل الإكتئاب مسيطر عليه.. ده أمر طبيعي لما تكون متهم إنك قاتل.. مرت الأيام التقيلة الصعبة دى بخبر صادم للأسرة كلها.. إدانة “كيني” إنه قاتل، وده حصل فى 11 مايو 1983!.. والعقوبة؟.. حبس مدى الحياة.. صباح الفل، وكل سنة وأنت طيب بقى.. حياة شاب بتنتهى قبل ما تبتدي أساساً.. إتقبض عليه، وتم إيداعه السجن.. بعد أول أسبوع بتروح المفعوصة “بيتي” تزور أخوها فى السجن.. الأزمة إن “كيني” ماكنش حابب إن حد يشوفه فى الوضع ده فكان بيرفض أى زيارات عموماً بس هي عشان تخليه يوافق كتبت له جملة فى الورقة اللى بتدخل للمسجون بتفاصيل الزيارة فى خانة إسم الزائر خلّته يوافق يطلع يقابلها.. إسم الزائر: “الحلوة”.. طلع.. قابلها.. كان مهتم يأكد لها إنه ماعملش حاجة، وماقتلش.. حطت إيديها على بُوقه وقالتله إنها مصدقاه بدون يتكلم.. أغلب الزيارة كانت صامتة.. ما بين أخ بيحاول يكتم دموعه عشان أخته اللى بتعتبره فارسها الأول ماتشوفش ضعفه، وما بين بنت صغيرة عايزة تمد أخوها بـ قوة ماعندهاش أى إثبات عليها.. فجأة قالت “بيتي”: (سأدافع عنك).. قالتها وباسته ومشيت!.. “بيتي” ماكانتش أخدت حظها الكامل من التعليم بسبب الظروف اللى إتكلمنا عنها قبل كده.. خرجت من السجن، وهى مصممة تكمل تعليمها.. إنتى بتتكلمى بجد!.. أيوا!.. بقت تشتغل، وتصرف على نفسها، وقدمت فى المدرسة من تانى، وسنة ورا سنة لحد ما دخلت الكلية.. هتختارى كلية إيه؟.. حقوق!.. تعليم تعليم تعليم سنين كتير  ورا بعض.. إتخرجت من الكلية، وبدأت تفتح ملف القضية تاني.. فى الفترة دى من نهاية التسعينات كانت بدأت طرق كشف الأدلة الجنائية تتطور زي تحليل بقع الدم اللى على الهدوم، وهل حجم البقع سببها الملامسة اللى حصلت من “كيني” للجثة بتاعت الست، ولا هى بقع بسبب نفاورة الدم اللى خرجت منها لما القاتل ضربها -(ده على إعتبار إن “كيني” هو القاتل فعلاً)-.. تفاصيل جنائية كتيرة بدأت “بيتي” تنخور وراها.. حتى لما كان بيجيلها شغل، وقضايا لناس تانية كانت بترفضهم!.. اللى هو إنتى غبية يا بنتي إنتى!.. طيب ما تعملى الإتنين مع بعض.. فيه حد يقول للرزق لأ!.. آه أنا.. أنا محامية لـ “كيني” بس!.. تجميع أدلة، ومليون تفصيلة من هنا ومن هناك ده كان شغلها الشاغل.. عملت مجهود رهيب وجبار مايقدرش يعمله مكتب محاماة شغال فيه 100 محامي!.. لدرجة إنها جابت إعتراف من الست اللى شهدت زور إنها كذابة!.. فى أول سنة 2001، وبعد ما مر 18 سنة على الحبس الظالم لـ “كيني”؛ قدمت “بيتي” كل الأدلة للمحكمة، وإتفتحت القضية من جديد.. أسبوع، وراه التاني، وقبل نهاية الأسبوع التالت صدر حكم ببراءة “كيني”!.. فعلاً!.. طبعاً.. خرج للحرية والحياة من جديد، وجواه إمتنان عظيم للإنسانة الوحيدة اللى ماحبش حد قدها، واللى لو هو دخل جوه قلبها كان هيعرف إن صاحب الفضل الأول هو نفسه لما كان بيغير مودها بالكلمة إياها.. من سوء الحظ بيتعرض “كيني” بعد خروجه من السجن بـ 6 شهور وتحديداً فى 6 سبتمبر 2001 لحادثة صعبة بيموت بعدها.. بس قبل موته كان عنده فرصة لمدة ثواني، وهما بيحاولوا ينقذوه عشان يردد كلمة كان بيحبها، وبسببها فيه واحدة حبت نفسها.. “الحلوة”.. فى سنة 2010 إتعمل فيلم فى أمريكا بيحكي جزء من القصة إسمه “إدانة” أو ” Conviction” واللى كتبت قصته هى “بيتي” نفسها.. تفاصيل تانية برضه كانت موجودة فى الكتابين اللى تم كتابتهم بقلم “بيتي” عن قصة “كيني، وتم نشر فصول منهم فى كذا جريدة.

 

"بيتي آن ووترز" مع شقيقها "كيني ووترز" بعد الإفراج عنه
“بيتي آن ووترز” مع شقيقها “كيني ووترز” بعد الإفراج عنه
  • فى مدينة “بييرتان” “Biertan” فى رومانيا كان عندهم تقليد معين بيتعمل بين أي اتنين بيقرروا ينفصلوا عن بعض، ويتطلقوا.. اللي ماسكين إدارة المدينة بيجيبوا الاتنين دول الراجل ومراته، ويحطوهم فى مكان اسمه “سجن الزواج”.. بيتم حبس الزوج، وزوجته فى أوضة واحدة ضيقة.. فيها سرير واحد صغير جدًّا.. كرسي واحد.. ترابيزة واحدة.. طبق واحد.. كوباية واحدة.. ومعلقة واحدة!.. لمدة قد إيه؟.. أسبوعين كاملين.. معاهم في نفس الأوضة مواد غذائية بدائية محتاجة تتطبخ طبعًا.. في الأوضة برضه فيه فنطاس متوسط الحجم زي الخزانات بتاعت الميه اللي فوق العماير عندنا فيه ميه تكفيهم في الأكل والشرب وكمان لـ باقي الأساسيات.. الغرض من القصة دي إنهم يدوا الزوجين فرصة أخيرة عشان يتأكدوا من قرارهم، ويشوفوا وجودهم في مكان زي ده لوحدهم ووشهم في وش بعض، ومجبرين على التعامل سوا بـ نص أدوات متاحة ليهم سواء فى نومة أو في قعدة أو أكلة؛ هيعمل فيهم أو معاهم إيه!.. مين هياكل، ومين اللي هيتفرج عليه!.. مين هيقعد على الكرسي ومين على الأرض.. فيه مواضيع هينفع تتفتح بينهم فى الوضع المنيل ده أصلًا، ولا هيكونوا خرسانين لحد ما الـ 14 يوم يعدوا!.. الفكرة بقى إن التقليد ده فضل يتعمل لمدة حوالى 200 سنة، والزوجين ماخرجوش من “سجن الزواج” ده لسه مصممين على الطلاق غير مرات معدودة لا تتجاوز الـ 10 مرات بس!.. طيب والباقي؟.. كلهم كانوا خلال الأسبوعين بيخرجوا، وهما مقررين يكملوا مع بعض.. إيه اللى كان بيحصل؟.. بحسب المعلومات المتاحة على الإنترنت واللى ممكن الحصول عليها من خلال البحث عن إسم المدينة؛ اللي بيحصل إن معظم الرجالة اللى كانوا بيخرجوا كانوا بيقولوا إنهم شافوا زوايا جميلة مختلفة فى شخصيات زوجاتهم!.. الست وعشان هى بطبعها حنونة كانت بتفضل جوزها عليها فى أغلب التعاملات اليومية اللى بتحصل بينهم!.. بتسيبه هو اللى ياكل بالمعلقة.. بتصمم تخلّيه ينام على السرير.. بتعمل شغل الطبخ لوحدها.. بتشيل الليلة كلها.. يعني مهما كان سبب المشكلة اللي خلّتهم يقرروا يتطلقوا، وحتى لو كان الراجل هو السبب؛ فى الحبسة اللى بيكونوا فيها قلب الست بـ يرق، وبيرجع لـ فطرته، وحنانه!.. وبعدين؟.. جوزها بيشوفها بـ شكل أجمل.. بـ زاوية أجمل.. بالمناسبة من ضمن أسباب الطلاق اللى كان بيتطلب الإنفصال على أساسه إن فيه كتير من الرجالة فى المدينة كانوا أصلاً بيتم إجبارهم على جوازاتهم لإعتبارات أسرية بالتالي كتير منهم مش بيكون راضي عن شكل زوجته!.. ما هو مش هو اللي إختارها فعمره ما هيشوفها حلوة.. لكن الأغرب إن أى زوج كان بيخرج من “سجن الزواج”، وحتى لو كان كاره شكل مراته قبل كده كان بيقول شعر فى جمالها، وحلاوتها، وجدعنتها وإنسانيتها اللى شافهم عن قرب، واللى من خلالها عرف إن تقييم أى حلوة يكون باللى هتشوفه منها من أفعال، وده اللى بيفرق حلوة عن حلوة.

 

 

  • الكاتبة “أناييز نين” قالت: (فرق كبير بين أن تحبها لأنها جميلة، وأن تكون جميلة لأنك تحبها).. كلمة فلانة “حلوة” أو فلان “حلو” معاييرها بتختلف من شخص لشخص.. مش كلنا بنشوف الحلاوة من اتجاه واحد؛ لكن الأغبى هو اللي هيبص لها من زاوية الملامح بس!.. أو الفلوس بس!.. اللي ظاهر من بره أيًّا كان هو إيه؛ في النهاية هو القشرة.. يمكن عشان كده الكاتبة “دوروثي بارك” قالت: (الجمال مجرد طبقة خارجية، أما القبح فيكون متوغلًا حتى العظام).. ومش بس القبح اللي بيكون متوغل لكن برضه الأصل النقي، الجدعنة، والطيبة.. الفلوس بتتصرف.. المكياج بيروح بـ شوية ميه.. الحلاوة بتدبل بـ شوية تجاعيد.. الدماغ، القلب بتوع الشخص اللي قولت عليه حلو؛ هما دول اللي بيفضلوا، وبيكملوا!.. الحلاوة الحقيقية “إخلاص”، وإني مش هفضل طول ما أنت فى حياتي عيني في وسط راسي، وقلقان إنك هتبعد!.. درجة “الإخلاص” عند “الحلو” أو “الحلوة” واصلة لحد فين؟.. الأديب، والشيخ “علي الطنطاوي” قال: (فإني قرأت كتبًا في تعريف الجمال كثيرة، فلم أجد أحدّ من تعريف “طاغور” إن الجمال هو الإخلاص).. تقييم أي حلوة بيكون باللي بتشوفه منها من أفعال، وده اللي بيفرق حلوة عن حلوة.

 

 

تابع مواقعنا