الأحد 26 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

خالد البوهي يكتب: كيف تجلت عبقرية سعد زغلول في ثورة 1919؟

غلاف كتاب عبقرية
ثقافة
غلاف كتاب "عبقرية سعد"
الجمعة 12/مارس/2021 - 12:46 ص

كانت ثورة 1919 حدثا عظيما في تاريخ المصريين، وحديثنا عن ثورة المصريين ونضالهم لا ينفك عن شخصية زعيمهم وثورته ونضاله، فقد كان وقود ثورتهم الذي لم يخمد، حديثنا عن معجزة المصريين 1919 متصل دائما بزعيمهم لأنهما معا وجهان لعملة واحدة.

ولقد كان دور سعد زغلول مؤثرا لا ينكره إلا مغرض جاهل بالتاريخ، فلولا سعد ما كانت الثورة؛ فهو الذي طرح قضية الاستقلال التام في توقيتها المناسب مستغلا ظروف العالم الدولية، وهو الذي جعل فكرة وفد المفاوضة حقيقة ملموسة مستغلا حيثيته وكيلا للجمعية التشريعية، وهو الذي قام بتوحيد النخب السياسية صقورها وحمائمها - برغم ما في بعضهم من رخاوة وضعف - لكن موقف المواجهة الأول كان يحتاج إلى وحدتهم جميعا إلى حين، وهو الذي حشد الأمة بفكرة التوكيلات التي صارت عقدا سياسيا بينها وبين زعيمها، فاحتشدت الأمة خلف زعيمها الذي لم يخذلها قط، فها هو يستمد منها قوته، وها هو يشعل ثورتها بمواقفه كلما هدات، وها هو يرتفع بسقف طموحها إلى عنان السماء، "قصاری القول إن الوفد لم يدع وسيلة للتعبير عن الأماني الوطنية ولتعبئة الرأي العام إلا وسلكها، مستهينا بتعسف السلطات العسكرية البريطانية، مصمما على إسماع صوته للعالم الخارجي، الأمر الذي أصبح ينبیء بأن الاصطدام بينه وبين تلك السلطات آت لا ريب فيه؛ إننا لا نشك في أن نجاح ثورة 19 كان مرتبطا بثقة الأمة في نفسها، يؤكد ذلك أن ثورتها لم تكن ثورة اليائس بل كانت ثورة الطامح، وما كان لها أن تواتيها تلك الثقة إلا من أدخلها بحنكته في اللعبة السياسية والنضالية، إنه زعيمها الذي وثق بها فلم تخذله.

وهو الذي كان فدائيا بمواجهته أعتى الدول بعد أن اتضحت نية الإنجليز بتجاهلهم سفر الوفد إلى مؤتمر الصلح، لم ييأس الزعيم بل دفع بنفسه إلى أتون المعركة بمواقفه التي لم تهدأ. ولنا أن نراجع خطبه بمنزل حمد الباسل وفي دار جمعية الاقتصاد والتشريع، وكتابه إلى السلطان، واحتجاجه القوي لدى معتمدي الدول، فكان إنذار السلطة العسكرية، لكن سعدا لم يتراجع عن طريقه بسبب إنذار لم يعبأ به وبادر سعد في اليوم نفسه إلى إرسال برقية إلى المسترلوید جورج رئيس الوزارة البريطانية أنهى إليه فيها ما حدث، وختمها بقوله: إن السلطة أنذرتنا اليوم بأننا نضع الحماية موضع البحث، وتعرقل تأليف الوزارة الجديدة، وتوعدتنا بأشد العقاب العسكري، على أنها تجهل أننا نطلب الاستقلال التام، ونرى الحماية غير مشروعة مهما كلفنا ذلك، وحسبنا أن نذكر لكم هذا التصرف الجائر الذي يجر سخط العالم المتمدن حتى تفكروا في حل هذه الأزمة بسفر الوفد، فیرتاح بال الشعب" فكان اعتقال سعد وصحبه ثم نفيهم، وكانت الثورة

 

وهو الذي بنفيه شامخا كان يقدم نموذجا لزعيم يمثل الأمة تمثيلا حقيقيا، هو واحد منها لم يتجاهلها يوما، فلا غرو أن تثور بعد نفيه، فقد كان اعتقال سعد وزملائه هو الشرارة التي انطلقت منها الثورة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، حيث انطلقت المظاهرات وعمت الإضرابات من أقصاها إلى أقصاها، وشملت طوائف الشعب المصري وطبقاته جميعًا، فتآلف المسلمون والأقباط على السواء، وقد اشترك في هذه الثورة الطلبة والتلاميد والعمال والفلاحون والتجار والمحامون وغيرهم من الطوائف، كما اشترك فيها الأمراء والنبلاء والوزراء وكبار الملاك، كما استجابت المرأة ولا سيما في المدن للشعور الوطني فطرحت الحجاب، واشتركت في المظاهرات وقدمت الاحتجاجات، وقد وجدت في تلك الثورة فرصة لإثبات وجودها في المجتمع جنبًا إلى جنب مع الرجل، واشتعلت المدن بالمظاهرات الكبرى والإضرابات، فأضرب الموظفون والعمال عن العمل، والطلبة عن الدراسة، وقطعت أسلاك البرق والتليفون، وأتلفت السكك الحديدية، وأقيمت المتاريس، وحفرت الخنادق، واستخدمت الحجارة والأدوات الحادة وبعض الأسلحة النارية ضد قوات الاحتلال التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد والتي استخدمت بدورها كل وسائل القمع والتعذيب والإرهاب من إنذارات واستخدام الطائرات لحماية السكك الحديدية، ونشروا جنودهم يجوبون البلاد داخل سيارات مصفحة، ومنع الناس من الخروج من منازلهم، وأحرق الإنجليز عشرات من القرى كما قتلوا الشيوخ والرجال والنساء. قصارى القول إن الاضطراب وصل إلى درجة كبيرة، وتفشت الفوضى في كل مكان، ولم يبق لسلطة الحاكم الإنجليزي أثر إلا بمقدار نفوذه الشخصي، فأدى هذا إلى إعلان الجمهورية في المنيا وزفتي وأسيوط.

 

وما لخصه الدكتور حشیش حول أحداث الثورة يلفت نظرنا إلى عبقرية سعد الذي غيّر مفهوم الأمة فثارت بكل طوائفها، وهو الشيء نفسه الذي سجله مصطفى أمين "هي ثورة شعب كل الشعب، ليست ثورة طائفة أو طبقة، العامل والباشا حاربا فيها جنبا إلى جنب، الفلاح وصاحب الأرض علقا في مشنقتين متجاورتين، المسلم كان بطلا والقبطى كان بطلا" وإنها عبقرية المصريين وزعيمهم، وهو ما سجله عبد الرحمن الرافعي بقوله:

 

"فكانت ثورة سياسية بكل معاني الكلمة، ولم يشبها التعصب الديني، ولا الصراع بين الطبقات، بل كان رائدها الوحدة القومية، سواء بين المسلمين والأقباط، أو بين طبقات المجتمع من أغنياء ومتوسطين وفقراء"؛ ومن هنا يتضح عدم دقة ما ذكره عبد الرحمن الرافعي حينما قال «حقا إن الثورة ليست وليدة سعد ولا وليدة الوفد، بل هي وليدة الأسباب التي فصلناها مجتمعة، وإنما كان سعد وكان الوفد كلاهما ولید الثورة، لأنهما لم يصلا إلى ما وصلا إليه من نفوذ ومكانة إلا بفضل الثورة، ولكن من الحق أيضا أن نقول إن تأليف الوفد كان من الأسباب المهيئة لظهور الثورة"؛ وكلام الرافعي غير دقيق لأنه هو نفسه من قال "لم يكد يترامی بنا نبا القبض على سعد وصحبه حتى أخذت سمات الغضب ترتسم في محيط العاصمة، وتسري منها إلى الأقاليم.. وجاء هذا الحادث كالشرارة أشعلت النار في النفوس المضطرمة"، وهو نفسه من قال في تحليله لأسباب فشل الثورة العرابية "فالزعامة تطبع الأمة بطابعها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ولذلك لا تعجب من ضعف المقاومة التي لقيها الإنجليز حين احتلالهم مصر، فإن زعماء الثورة كانوا أول من استسلم في ساعة الخطر. وقد ظهر ضعفهم النفسي في المحاكمة، إذ أخذ كل منهم يتنصل من تبعة الثورة، وتبين من موقفهم أنه كان ينقصهم الإيمان والعقيدة، وهما أساس النجاح لكل دعوة وكل عمل.. ولكن أية مقاومة تنتظر بعد أن ترى الأمة زعماءها يتركون ميدان القتال، ويلقون أسلحتهم خاضعين مستسلمين.. ولو أنهم أدوا واجبهم لاستمرت المقاومة عهدا طويلا، ولبعثوا في البلاد من أقصاها إلى أقصاها روح البذل والتضحية وبالفعل فإن تخاذل عرابي النفسي والعملي بعد الهزيمة، ثم انكساره في محاكمته وبعد نفيه، كل ذلك قد أدى إلى استسلام المصريين الذين لم يثوروا بعد نفيه مستسلمين بلا مقاومة!!"

 

لكن سعدا بشموخه المتحدی قد جعل من نفيه أيقونة لنضال فرید ما زلنا نفاخر به الدنيا، لأن الزعامة كما ذكر الرافعي تطبع الأمة بطابعها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ونحن نقول إن أمة الثورة وزعيمها وجهان لعملة واحدة لن تستطيع فصل أحدهما عن الآخر، وقد أصابت الأستاذة فهيمة الشايب بقولها "تعد شخصية سعد زغلول دعامة أساسية من دعامات ثورة 1919، بل إن سعدا هو علامة الثورة وبطلها الأوحد، فيكفي أن يذكر اسم سعد فيذكر بجانبه ثورة 1919 أو على العكس من ذلك ما أن تذكر ثورة 1919 إلا ويكون محورها اسم سعد وتزعمه لأحداث الثورة.

* فصل من كتاب عبقرية سعد.

احتفالًا باليوم العالمي للمرأة.. صالون الأوبرا الثقافي يستضيف تجارب مبدعات عربيات

تابع مواقعنا