حروب في محراب العلم.. المنتجات المعدلة وراثيًا تقنية نافعة أم عدو خفي؟

منذ عشرين سنة تحول البحث العلمي في مجال المنتجات الغذائية المعدلة وراثيًّا إلى ساحة حرب، فقد تطورت صناعة تلك الأخيرة قبل ذلك حتى جنت أرباحًا طائلة، لكنّ تحذيرًا من مخاطر تلك المنتجات حوّل الدفة وتسبب في خسائر فادحة ناهزت الستين مليون جنيه إسترليني لإحدى الشركات المنتجة لمحصول الذرة المعدل وراثيًّا، وذلك بعد اكتشاف نوع من الحساسية يصيب مستهلكي هذا المنتج، وأن تلك المنتجات تنقص من فاعلية المضادات الحيوية داخل جسم الإنسان.

وفي المقابل لم تقف قوة هذا القطاع الإنتاجي عاجزة أمام هذه الضربة العلمية، فدفعت عبر ضغوطها ومصالحها لسحب دراسة علمية نشرت في عام 2012 عن أضرار تلك المنتجات.

ويمكننا تصور هذه الحرب التي غطت على ساحة علمية من المفترض أن تكون موضوعية ومحايدة حين نقرأ كتاب "زمن التفاهة" للكاتب "آلان دونو" والذي يرصد فيه التقاطعات بين البحث العلمي والمصالح الكبرى للشركات، وكيف أصبح العلم خاضعًا بشكل جزئي لرغبة تلك الشركات الكبرى، الأمر الذي ألقى ظلاله على الدراسات العلمية التي جاءت في موضوع مهم وخطير كهذا متضاربة وضبابية ومنقوصة.

فمتى يتحرر البحث العلمي من سطوة الاتجاهات والمصالح، ويبحث بجدية في أمر تلك المنتجات المعدلة وراثيا، ويدرس فوائدها وأضرارها المحتملة؟.

ولا بد أن ينكب العلماء على دراسة القضايا المتعلّقة بفوائد هذه النباتات من جهة، والمخاطر التي من الممكن أن تسفر عنها  من جهة أخرى، ومن من الأفضل ألا يتم تعميم المنتجات الغذائية المعدلة وراثيًا على نطاق واسع ونشرها في الأسواق قبل التأكد من سلامتها الفعلية من أي ضرر، ويجب ان يتم وضع طابع على النباتات المعدلة وراثيا. وفي المقابل نطالب بالتريّث وبمزيد من الأبحاث على النباتات المعدلة وراثيًا وبضرورة أن تكشف شركات الأغذية عن محتويات منتجاتها الغذائية هل هي من نباتات معدلة أم لا، لأنه  ليس البقاء للأكثر إنتاجية بل البقاء للأصلح ولا ننس بروتوكول الأمان الحيوي الذي وقّعت عليه 130 دولة في مونتـريال  وذلك عام 2001م حيث ينظّم هذا البروتوكول  كيفية تتداول الكائنات المعدّلة وراثيًا بين الدول، ويحتم  على الدول المنتجة  لتلك الكائنات المعدلة وراثيًا تقديم وتوفير كل المعلومات المطلوبة للدول المستوردة  التي من شأنها أن تحفظ حقوق المستهلك.

وعلينا بشكل خاص أن نقيِّم الكائنات المحورة وراثيًّا من حيث تأثيرها على الأمن الغذائي والفقر والسلامة الحيوية والزراعة المستدامة، ويجب ألا تعامل المحاصيل المحورة وراثيا بصورة منعزلة وإنما بصفتها إنجازات تقنية بكل بساطة، ومن جانب آخر يجب أن ندرك كعلماء في الزراعة والغذاء أن مجال النباتات المحولة وراثيًا رغم أهميته لا يشكل سوى عنصرًا واحدا من العناصر المتعددة في النهوض بالمجال الزراعي ويجب على الحكومات والقطاع الصناعي الخاص النظر بعين الاعتبار لمجالات أخرى قد تسهم بقدر كبير في تطور المجال الزراعي مثل إدارة المياه والتربة وتحسين البيئة.