الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

رسالة الإمام والمتربصين

الأربعاء 29/مارس/2023 - 08:59 م

حالة من الجدل سادت منذ عرض الحلقة الأولى من مسلسل رسالة الإمام بطولة النجم خالد النبوي، والذي يجسد شخصية العلامة الكبير صاحب أحد المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله.

من الطبيعي أن يكون هناك نقدا لأي عمل فني يتم عرضه بشرط أن يكون هذا بضوابط ومعايير معينة، لكن ما يحدث تجاه مسلسل رسالة الإمام ليس كذلك أبدا، وإنما هو محاولة للهدم التام والتشويه المتعمد والتربص الدائم. 

الدراما المصرية كانت ومازالت هي الرائدة في منطقتنا وإن كانت ابتعدت بعض الشيء في السنوات الأخيرة عن الطريق الذي عرفت به لأسباب كثيرة، ولكنها تعود الآن وبقوة ولعل مسلسل رسالة الإمام أهم علامات هذه العودة خاصة أننا لم نشهد عملا تاريخيا بهذا الحجم والإبداع منذ زمن طويل. 

لكن ربما ذلك لم يعجب البعض ولا تروق لهم فكرة نهوض مصر من جديد حتى على مستوى الدراما التليفزيونية، ونظرا لأهمية الشخصية التي يتناول سيرتها المسلسل ولعلمهم بأنه سوف يبعث برسالة مهمة للغاية، نجد كل هذا الهجوم غير المسبوق بحجة التمسح في الإمام رحمه الله والحرص على عدم تشويهه.. وهو كلام في منتهى السذاجة يدل على سطحية من يقوله، لأن الأمر في النهاية يعد عملا دراميا، وليس مرجعا تاريخيا، والأهم من ذلك أن الإمام ترك مذهبا محفوظا لا علاقة له بأي أمر يتعلق بمشهد ما تمت إضافته حتى قد يعلم كل صاحب عقل أنه لخدمة الدراما فنيا فقط ولا يمكن أن يسيء للإمام رحمه الله. 

وصل الأمر إلى تداول صورة لبطل العمل خالد النبوي وهو يرتدي نظارة القراءة الخاصة به في الكواليس على أنها ضمن مشاهد المسلسل، وأخذ البعض يحلل ويحسب التاريخ بين صنع أول نظارة وتاريخ وفاة الشافعي رحمه الله، ولم يحاول من أتعب نفسه في هذه الحسبة التحقق أولا من صحة الصورة، وإن كنت أظن أن ذلك لا يعنيه بقدر ما يهتم بإثارة البلبلة وصنع حالة من التشويه. 

الأمر الأكثر إزعاجا من كل ذلك هو خروج شاعر سوري يسمى حذيفة العرجي على منصات التواصل الاجتماعي يدعي أن هناك أبيات كتبها منذ عشر سنوات في بداياته وقد قالها النبوي في المسلسل على أنها للإمام الشافعي رحمه الله.
و الأبيات هي.
وتضيق دنيانا فنحسب أننا
سنموت يأسا أو نموت نحيبا.
وإذا بلطف الله يهطل فجأة.
يربي من اليبس الفتات قلوبا. 
العجيب أن هذا الشاعر لم يأت بدليل قاطع على صحة كلامه، وما يزيد الشكوك حوله أنه يعيد الأمر إلى عشر سنوات مضت، وأنها كانت بداياته، ولو أنه بدأ بهذه القوة فلماذا لم نسمع عنه إلا الآن عندما تناولت بعض المواقع المتربصة تصريحاته التي قالها على صفحته التي يتابعها حوالي 250 ألفا وذلك من السهل جدا الوصول إليه بإعلانات ممولة أو إضافة أعداد وهمية وذلك ليس دليلا على التميز والنجاح في الوقت الحالي وإن كان يخدع البعض. 

أيضا بالبحث على جوجل نجد أن هذه الأبيات تعود نسبتها للإمام الشافعي رحمه الله ضمن عشرات الملفات، حتى أنه يتم تداولها منذ سنوات على مواقع التواصل الاجتماعي كصور مكتوبة.. ومثال على ذلك أن الكاتب الدكتور "بكري معتوق عباس" نسبها للإمام رحمه الله خلال مقال بعنوان "الشافعي ميراث فقه وحكمة" والذي تم نشره على موقع المدينة عام 2118 وقد ذكرت في الكثير من الموضوعات ذات الصلة أيضا. 

السؤال هنا.. لماذا لم يخرج العرجي خلال هذه السنوات ليقول بأن هذه الأبيات له، وليست للشافعي إذا كان يمتلك دليلا على كلامه.. أم أنه وجد الآن فرصة سانحة للشهرة التي لم يكن يصل إليها أبدا لولا ركوب تلك الموجة المخزية. 

هل أخطأ الجميع في نقل الأبيات واختلط عليهم الأمر، أم أن هذا الشاعر هو من يريد السطو عليها، أو انه حتى سرقها قبل ذلك ووضعها في قصيدة له كما يفعل كثيرون مع التراث القديم لأنهم يعلمون أنه ربما لا ينتبه أحد لأفعالهم. 

المحزن في الأمر أن أغلب رواد التواصل الاجتماعي يفتقرون إلى فكرة التحقق ويذهبون خلف كل ذاهب فقط في أغلب الأحيان، وذلك خطأ وخطر في نفس الوقت، فليس كل ما يقال على منصات التواصل حقائق يجب التسليم بها، وليس كل من اشترى عددا من المتابعين هو صاحب قيمة حقيقية يمكن الوثوق فيه، فجنون الشهرة أصاب كثيرين لدرجة جعلت المبادئ والقيم آخر ما يشغلهم. 

لماذا لا نشجع من أراد الخير واجتهد لتقديم عمل محترم يليق بتاريخنا الفني الذي هو جزء من قوتنا الناعمة وقيمتنا الحقيقية، التي هي واقع يشهد عليه التاريخ وليست مجرد ادعاءات وقصص وهمية من وحي الخيال، بدلا هذه الحالة من التشكيك الدائم في كل شيء، والسير خلف من يحاول زرع اليأس في النفوس وقتل الأمل داخل القلوب.

تابع مواقعنا