الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ماذا فعلنا بالدين؟

الجمعة 22/سبتمبر/2023 - 09:02 م

قرأت ذات يوم منشورا عبر فيس بوك بعنوان "ماذا فعل بنا الدين" والكاتبة أستاذة جامعية بإحدى الدول العربية، وحاصلة على درجة الدكتوراة كما يتضح من صفحتها، وكان ذلك منذ فترة، وقد أثار اهتمامي ذلك العنوان وشعرت حينها أن خلفه أمرا ما، ونقدا لفكرة الدين من الأساس وليس التدين حتى.. رغم أنها تحمل اسما إسلاميا، وبالفعل كان ظني في محله. 
وجدت في كلامها مادة خصبة لكتابة مقال أعتقد أنه مهم، وكما قالت العظيمة أم الإمام مالك قولتها الشهيرة لزوجها أنس عندما لم تعجبه ليلة زواجهما: لعل الخير يكمن في الشر، وبالفعل دخل بها لكنه هجرها بعدها 20 عاما ليعود فيجد الخير كله قد حدث بالفعل، وكانت تلك الليلة هي سبب مولد طفل أصبح إماما ملأ الدنيا علما وحكمة.

 
 تبدأ الكاتبة الحديث بكيل الاتهامات للدين بشكل غريب، وتقول إننا نقتل بعضنا بعضا باسمه.
 وذلك بالطبع غير صحيح على الإطلاق؛ لأن الأمور ليست هكذا حتى وإن كانت تقصد وجود جماعات متطرفة تعتنق أفكارا غير صحيحة، ولا يمكن تحميلها للدين أو إقحامه فيها لفتح باب للنيل منه، وأقول ذلك لأن كل فكر متطرف لا يحظى بإجماع الأمة أو حتى موافقة أحد غير هؤلاء الذين يعتنقونه ولذلك فهو لا يعبر إلا عنهم كأشخاص، والتطرف فكر منحرف وليس دينا. 
وللرد على من يقولون إن الإسلام دين العنف أينما كانوا أقول.. وماذا كانت الحملات الاستعمارية على بلادنا عبر التاريخ، وماذا نسمي ما حدث للمسلمين في إفريقيا الوسطى منذ سنوات قريبة، وأيضا عمليات التطهير العرقي لهم في الصين، وما يحدث في بورما. 
ولماذا يتهم الإسلام دائما بهذا الشكل الظالم من أعدائه، وأيضا بلسان بعض أبنائه الذين يدّعون الحداثة، بينما لم نسمع لهؤلاء همسا تجاه أي دين أو فكر على الأرض مهما فعل المنتسبون إليه من جرائم.. ولدينا المثال الأكثر وضوحا في فلسطين المحتلة أيضا.
أيضا قالت في منشورها إنه بالعلم تبنى الأمم وكأن الدين يتعارض معه حسب رؤيتها، وأنا أوافقها وكلامها صحيح جدا، ولا يمكن أن ينكره عاقل في أمر أهمية العلم، ولكن ليس على حساب الدين، ولماذا يوضع مع العلم في مقارنة من الأساس، وديننا الإسلامي الذي هو محل النقاش ما جاء إلا ليخرج العباد من ظلام الجهل إلى نور المعرفة، وكانت أولى كلمات الوحي اقرأ.. فهل هناك دعوة للعلم في دين عرفته البشرية سواء كان وضعيا أو سماويا أوضح من ذلك؟.

 
ومن قال إننا لا بد أن نختار بين الدين والعلم، ولماذا نحن -المسلمين تحديدا- مطالبون بذلك، ونجد للأسف من أبناء أمتنا من ينساقون خلف هذه الادعاءات الزائفة والباطلة، ولماذا لا يقرأ أبناء الأمة التاريخ كي يعرفوا أن أمتهم تقدمت على الدنيا عندما كانت تعرف دينها حقا وتتمسك به، بينما كان العالم يسبح في فضاء مظلم.

 
للأسف يتم الآن تشويه التاريخ نفسه؛ حتى تصبح الأمة مشوشة لا تعرف مجد أجدادها الذين تكالب عليهم العالم كله حتى نالوا ما أرادوه، وهو تفتيت الأمة إلى دول ودويلات تتناحر فيما بينها وتتنافس بدلا من أن تتكامل وتستفيد من ثرواتها الهائلة التي تكفي العالم، وما كان ذلك ليحدث لولا الخذلان بكل أسف.

 
وضربت الكاتبة مثالا بسنغافورة؛ حيث ذكرت كلمات على لسان زعيمها الذي قال فيما معناه: تقدمنا لأننا نبني المدارس وغيرنا يبني المعابد، وأيضا ذكرت كوريا الجنوبية كمثال ولتدلل على أن الدين ليس ضروريا للنجاح، وهذا كلام يطول فيه الشرح للرد عليه تفصيلا؛ لأن النجاح الدنيوي بالفعل وبشكل عام يعتمد على أسباب إذا تم الأخذ بها يتحقق، ولكن ما تغفله الأستاذة أن كل تلك الأسباب المؤدية للنهوض هي قيم ديننا، وهناك من يطبقها كمبادئ إنسانية عامة فينجح دنيويا، بينما من يتناولها كدين وطاعة لله يحقق مكسبا في الدنيا والآخرة التي هي خير وأبقى، ولكني رغم ذلك أقول هنا باختصار إن أكثر البلاد تقدما في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تنحِّ الدين جانبا كما يتوهم البعض، بل هي تكتب عبارة "نحن نؤمن بالرب" على عملتها الدولار، وهناك بريطانيا  التي تضع الصليب شعارا لها على العلم الوطني كنوع من الاعتزاز به كشعار ديني، وأيضا إسرائيل التي تقوم من الأساس على فكر عقائدي ومن أجله تحتل الأراضي العربية الفلسطينية، وتضع نجمة داوود على علمها أيضا، وغيرها كثير ولكني أذكر أبرز الأمثلة.

 الإرهاب لا دين له

وأخيرا أقول إن الإرهاب لا دين له، وكل دين سماوي بريء منه، وإنما هي أفعال بشر كل حسب فهمه وتفسيره وظروفه أيضا، لذلك كان يجب على الأستاذة الجامعية أن تقول "ماذا فعلنا بالدين" وليس "ماذا فعل الدين بنا" وهل استفدنا منه أم أهملناه بكل أسف، وإن كان سؤالها يريد الإجابة حقا فقد فعل الدين بمن سبقونا كل خير، وحوّلهم من مشردين في الأرض إلى قادة وسادة للعالم، فهم أدركوا حقيقة قالها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي أننا كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.. وصدق عمر فيما قاله والحاضر الذي تعيشه الأمة خير شاهد.

 
وأخيرا أقول للجميع وإن كنت فقط اتخذت كلمات السيدة المحترمة مثالا لإثارة الموضوع، إن ديننا جاء ليعلّي من قيمة الحياة والإقبال عليها، والحث على العمل والعلم والتطوير الدائم، ومن لا يدرك ذلك فعليه أن يراجع ثقافته الدينية أولا قبل ادعاء التنوير وهو في الأساس أبعد ما يكون عنه.


فما قيمة مثلا أن أتعلم كل لغات العالم وأجهل لغتي الأصلية التي هي هويتي وأصلي وتكويني.. فما بالنا بالدين؟.

تابع مواقعنا