الإثنين 29 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

اقتصاديات الطائرات الورقية 4: الخلاص المُنتظر

السبت 09/ديسمبر/2023 - 11:09 م

كثُر الحديث خلال الفترة الماضية عن وجود بشائر انفراجة اقتصادية مع بداية العام الجديد الذي تفصلنا عنه أيام قليلة، بالاستناد إلى أخبار متداولة عن ضخ مؤسسات دولية ودول خليجية لاستثمارات جديدة، خاصة مع الإغراءات التي توفرها الأصول المصرية في ظل تراجع قيمة العملة بالإضافة إلى بدء الانضمام الفعلي لتجمع دول البريكس.

ورغم أن هناك منطقا في الأسباب التي تدفع إلى هذا التنبؤ، إلا أن الواقع الاقتصادي محليا أو على المستوى العالمي قد لا يكون على توافق مع ذلك، وبالأخص أن أخذنا في الاعتبار أن الاقتصاد المصري في طبيعته "طائرة ورق" لن يتحسن بالشكل الملموس على المدى القصير أو المتوسط إلا في ظل ظروف خارجة عنه تسمح بذلك، وأهمها بالطبع سياسات البنك الفيدرالي الأمريكي.

وفي هذه النقطة تحديدا، نجد أن تقرير مطالبات البطالة الأسبوعية الصادر عن وزارة العمل الأمريكية يشير إلى أن سوق العمل يتباطأ تدريجيا، حيث أدت ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى كبح الطلب في الاقتصاد، وذلك بعد ارتفاع عدد المتقدمين بطلبات جديدة للحصول على إعانة البطالة بشكل معتدل الأسبوع الماضي.

وبينما يدعم التقرير آراء الاقتصاديين بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد يكون انتهى من دورة التشديد النقدي، مما يتيح دخول تدفقات دولارية للاسواق الناشئة ومنها مصر، إلا أن مضمون التقرير يشير إلى أن توقعات الأسواق المالية بخفض أسعار الفائدة في وقت مبكر من الربع الأول للعام القادم، ربما تكون سابقة لأوانها.

وبات الآن من المتوقع أن يتحول بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة في العام المقبل ولكن قد يستغرق الأمر حتى شهر مايو حتى يتم تنفيذ التخفيض الأول، وكذلك تتجه التوقعات لأن يبقي المركزي الأمريكي أسعار الفائدة في النطاق الحالي 5.25% - 5.50% عندما يجتمع الأسبوع المقبل، مما يترك السياسة معلقة منذ يوليو.

ويتمثل تأثير هذا الأمر على الدولة المصرية، في تراجع إمكانية حدوث انفراجة في التدفقات الدولارية في النصف الأول من 2024، في الوقت الذي تتعاظم فيه الأقساط الواجبة السداد في النصف الأول العام، وهو ما يؤكد ضرورة الحاجة إلى إعادة التفكير في حلول مختلفة لانقاذ الموقف النقدي المتردي.

ورفع المركزي المصري مؤخرا تقديراته لقيمة الأقساط والفوائد المستحقة خلال 2024 لـ 32.8 مليار دولار مقابل 29.2 مليار تقديرات سبتمبر، و28 مليار كان البنك قدرها في يونيو الماضي، ويأتي هذا مختلفا أيضا عن الـ 26 مليار دولار التي كان قد قدرها المركزي في أبريل الماضي.

ينبه ذلك، أن العام القادم على الاقتصاد المصري أصعب بكثير عن سابقه، خاصة إذا لم يحدث انحسار سياسة التشديد النقدي، وأيضا دون تجديد الودائع الخليجية لدى المركزي المصري، أما إن حدث، فعلى الأقل ستظل حدة الأزمة كما هي.

وفي تقديري، وبالاعتبار إلى الأجواء الجيوسياسية الحالية والدور المصري في أزمة قطاع غزة، فلا توجد نفس الخطورة على وضع مصر الاقتصادي كما كنت آراها منذ عام، ورغم ذلك، فلن يحدث تحسن على المدى القصير لكن سنظل في سيناريو الـmuddle through أو المعافرة المؤلمة لفترة أخرى قد تصل إلى 6 شهور على أقل تقدير.

أي نعم.. الموقف الاقليمي سوف يدعم مصر مرحليا كما أن صندوق النقد الدولي يبدو أنه سوف يأخذ نفس النهج، ولكن ذلك لا يعني انفراجة للأزمة بل مجرد تمديد أجلها أو على الأقل عدم التردي أكثر، أو بالضبط كما يعكس التشبيه بأن المريض "لا هيموت ولا هيخف" حاليا.

وكما تحدثنا كثيرا، فحل الوضع الحالي مالي بحت يحمل نكهة ما حدث في نهاية 2016 من تحرير سعر صرف العملة ورفع أسعار الفائدة بشكل كبير، وهو الأمر الذي أحجم عنه المركزي المصري طيلة هذا العام لعدم وجود مبرر حقيقي لهذا المسار، وفي ضوء ذلك فمن المتوقع أن تسير مصر على خطى تركيا في سعيها نحو سعر فائدة فعلي إيجابي يستهدف تدفقات دولارية، لكن لن يحدث شيء من ذلك دون انحسار دورة التشديد النقدي الأمريكية.

أي أنه لا خيار حاليا سوى حلول وقتية بالاعتماد على اقتصاد تمويلي يتأثر بالدورات الاقتصادية تأثر الطائرة الورقية بالرياح الخارجية، أما الخلاص الدائم من أزمتنا فلن يتم إلا بمحرك مُنتج قوي يحول طائرتنا الورقية من حالة الاعتمادية على ما هو خارجها إلى طائرة حقيقة تنتج طاقتها وتعرف وجهتها وتتحكم في مسارها.

تابع مواقعنا