الجمعة 26 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

شيطنة التجديد الديني

القاهرة 24
الأربعاء 26/فبراير/2020 - 10:38 ص

لم نجرب علي مصر يوما، أنها وقفت عثرة في وجه أي تجديد علي مر تاريخها، ولم يكن المصريون يوما ما عقولهم أو قلوبهم مغلقة بل كانت مصر سباقة في علوم الانسانية كلها وقد قدم المصريون علي مدار حضاراتهم نماذج رائعة في التعايش والتسامح، دون النظر لمرجعية دينية او فكرية، وجميعنا يعلم كيف غير الشافعي مذهبه وفتواه بمجرد اختلاطه بالمصريين،  وبطريقة حياتهم ومعيشتهم.

يعتقد غلاة التطرف والتشدد، أن قياس قوة الإيمان تاتي إما بالقسوة والغلظة او الحدة  والتطرف، واحيانا بالتحذلق واقتباس الماضي وإلباسه لباس الحاضر ؛  لذا  قدموا شيخ الأزهر  علي منصات التواصل الاجتماعي بعد حديثه وكلامه المعروف، علي  أنه المنتصر للأسلام من براثن العلمانيين الذين يريدون  تبديد دين الله، رغم ان الازهر ولا شيخه يقصد ابدا ما ذهبوا هم إليه، فحملوا كلامه مالا يحتمل وأولوه فوق مالا يستطيع ؛ وتغافلوا عن المؤتمر ذاته، وما تم فيه وأن الأزهر هو من  دعا اليه، وهو من طلب من الرئيس السيسي حضوره، وهو من اختار عنوانه، وهو من دعوا ضيوفه واستقبلهم، ولم يفرض عليه اي من موضوعات جلساته أو ضيوفه.

ورغم ذلك فأزمة تجديد الفكر الديني ليست ناتجة عن أزمة سياسية، كما يحب البعض أن يردد، ويرمي التجديد بتهمة الازمات السياسية وهي محاولة للهروب من التجديد، وتشابكاته مع عوامل اخري اجتماعية واقتصادية،  وإن كان الدين من المؤكد أنه قد خضع لفترات طويلة قديما في عهد الدولة الاموية والعباسية لأهواء سياسية رهيبة لدرجة تأليف الاحاديث المسندة عن النبي صلي الله عليه وسلم لتثبيت بعض الأسر في الحكم إلا أن ذلك كله لا ينطبق  علي الاقل في مصر  المتسامحة والمتعايشة مع الاخر والحاملة لكل ثقافات العالم حتى الآن، فقد حكم الفاطميون الشيعة مصر وهم من انشأوا الجامع الأزهر ومع ذلك  لم يفرضوا المذهب الشيعي علي المصريين   ولم يتشيع المصريون ، نظرا لقدرتهم الهائلة علي امتصاص وتذويب الثقافات بداخلها حتى اصبحنا نحمل فلكلورا جميلا فقط عن الفاطميين حتى الان

أما مسألة أن نبني بيتا فقهيا فكريا مصريا جديدا،   فما المانع في ذلك ؟! ولماذا هذا الهجوم الغير مبرر؟  ولماذا هذه المعارضة ؟ ولماذا تم تشويه الفكرة وشيطنتها؟ ؛ فابن حزم الظاهري الأندلسي خرج علي الاطر الفقهية في المذاهب الأربعة المعروفة وأسس للاندلس مذهبا خاصا وهو المذهب الظاهري متغافلا عمدا القياس كأحد مصادر  التشريع، وأيا ما كان رأيك في المذهب الظاهري، في النهاية خرج عن المربع الفقهي المتعارف عليه

هؤلاء الذين يرفعون راية الحفاظ علي الدين وعلي الإسلام ومتعامون عن الواقع،  يطلقون علي سيدهم البنا مجدد الاسلام في القرن العشرين ، ومع ذلك لو ظهر فيهم الفاروق عمر الان ؛ لقتلوه ورموه بالكفر  ، فعمر  اول جدد في الاسلام بإسقاطه نصا في القرءان ومصرفا من مصارف الزكاة عندما منع المؤلفة قلوبهم من الحصول علي نصيبهم منها، وهو أول من ابطل حد السرقة، وأول من كان يفكر في تحديد المهور،  وأول من إنشاء الدواوين، وأول من ولي سيدة ولاية عامة وهي ولاية الحسبة، ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) رغم النصوص  والايات التي التي مايزال يرددها المتشددون في هذا الأمر

تجديد الفكر الديني أصبح الآن معضلة بعد أن استغل اصحاب الاهواء في الجماعات والتيارات المتشددة  الدين وقدمته للناس في صورة من  المعادلات الفيزيائية والنظريات الرياضية فاصبحت امور حياتك اما حلالا او حراما فقط ، يضيقون كل واسع ويغلقون كل ضيق علي الناس، حتى اضحت هذه الجماعات تتاجر بدين الله بعد ان سرقته من مؤسساته وعلمائه، وعمدت علي شيطنة كل رجل دين او مفكر يعارض طريقتهم، واصبح رجال الدين هم اما رجال سلطة او مطبلاتي ، و اثمرت  سرقة دين الله عقولا مشوشة وقلوبا مغلقة لاتقبل رأيا ولا تعظم فكرا ولا تتسامح مع اخر حتى ولو كان مسلما يعبد الله علي مذهب مختلف

فلا يعتقد المجدد أو المفكر ، أنه سينعم بفكره أو سيستقبله الناس بالتصفيق،  فكل المجددون قد  تأففت منهم  العامة، بل واستهزأوا بهم وشَمِت  فيهم أصحابهم من رجال الدين أنفسهم،، منهم جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، ولكن ما أن يمر العصر ويأتي جيل جديد فيكتشف حجم الجرم الذي ارتكبناه في حق هؤلاء المفكرين والعلماء،  فلوا ما تزال كتب ابن رشد بيننا لم تحرق، و لو وصلتنا كتب ابن حزم قبل ان يحرقوها امام عينيه ، وماذا لو تركنا الشيخ علي عبد الرازق صاحب كتاب “الاسلام وأصول الحكم” دون ارهابه وتقديمه للمحاكمة، ولو ظل طه حسين يكتب في الادب الجاهلي دون منعه، ولو لم يقتل فرج فوده بسبب آرائه، ولو لم يقدم نصر حامد أبو زيد  للمحاكمة والتفريق بينه وبين زوجته وتكفيره والسؤال إذن ما الضرر الذي وقع الإسلاممن هؤلاء ؟ فمن قدموهم للمحاكمة ومن ارهبوهم ومن منعوهم قد اضروا الاسلام بتجميده علي خصائص عقولهم فقط فضلا عن تشويه صورته

نحن في احتياج لمفكرين يفكرون بحرية لا الي مشجعين ومصفقين علي شر البلية

تابع مواقعنا