الجمعة 26 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

جامعة هارفارد وموضوعية البحث العلمي

القاهرة 24
الإثنين 15/يونيو/2020 - 08:27 م

أي كاتب عندما يتصدى لقضية لكي يناقشها ويسبر أغوارها، فإنه ولا شك يبحث عن أدلة تدعم موقفة من هذه القضية، وهذه الأدلة قد تكون مرئية مثل شرائط الفيديو والأفلام بأنواعها ومنها التسجيلية والوثائقية، أو أي مقاطع مصورة، وقد تكون مسموعة مسجلة بطريقة أو بأخرى، وقد تكون بحثية أو تحليلية، وقد تكون علمية أو حتى مجموعة من المعلومات والأقوال قد تكون صدرت عن مسئولين كبار أو صدرت عن وسائل إعلام أو حتى أفراد، وقد تكون دراسات موضوعية صدرت عن جامعات مرموقة، أو مراكز بحثية شهيرة، وهذه النوعية من الأبحاث تستمد مصداقيتها من مصداقية الجامعة أو المعهد الذي أجرى هذا البحث، وطبعًا تعدّ جامعة هارفارد من الجامعات ذات المصداقية في هذا المجال، ويتداول العلماء والمختصين أبحاثها باحترام كبير، وتأخذ نتائج هذه الأبحاث على أنها من المسلمات.

ولكن وآه من ولكن، في زمن الانهيار العظيم، وفي الوقت الذي داهم فيه كوفيد-19 العالم، وصعدَ نجم اليمين المتطرف، وأصابت الأزمات الاقتصاد العالمي، يبدو أن سلسلة الانهيارات قد طالت البحثَ والموضوعية، وأصابت جامعة في درجة وقيمة هارفارد.

فقد نشرت جامعة هارفارد بحثًا حول كوفيد-19 يستند إلى حركة المرور لا يمتلك ولو قدرًا من الدقة والموضوعية، فقد نشر فريق في كلية الطب بجامعة هارفارد في ورقة بحثية أظهرت أن فيروس كورونا الجديد ربما كان ينتشر في الصين في أغسطس من العام الماضي، وذلك استنادا إلى صور بالأقمار الصناعية لنمط حركة المرور بالقرب من المستشفيات وبيانات مرتبطة بمحرك البحث بايدو الصيني، وأول ما يتبادر للذهن سؤال: كيف التقطت صورة الأقمار الصناعية فيروس كورونا الجديد؟

تجيب عن هذا شبكة سي أن أن، فقد ذكر تقرير صادر عنها أن دراسة جامعة هارفارد اكتشفت أن عدد السيارات في موقف السيارات في خمسة مستشفيات في ووهان زاد بشكل ملحوظ في أواخر الصيف وأواخر الخريف بالمقارنة مع نفس الفترة في عام 2018، وقد أشار الباحثون في دراستهم إلى وجود 171 سيارة في موقف للسيارات في مستشفى في ووهان، وذلك استنادا إلى صورة الأقمار الصناعية في أكتوبر 2018، وبعد عام وفي نفس موقف للسيارات كانت هناك 285 سيارة في الموقف، بزيادة قدرها 67٪، وفي الوقت نفسه زاد حجم البحث عن الكلمتين الرئيسيتين “الإسهال” و “السعال” على محرك البحث الصيني على الإنترنت بايدو.

الغريب في هذا الموضوع، أن جامعة هارفارد إعتمدت على صور الأقمار الصناعية لإجراء بحث أكاديمي عن موضوع تبعد عنه مقر الجامعة آلاف الأميال، لقد تذكرت جون براونشتاين (كبير مسئولي الابتكار في مستشفى بوسطن للأطفال، لأنه يتفق مع هذا البحث في كلمة (ابتكار) فهذا البحث مبتكر تمامًا مثل جون براونشتاين، ولكنه لا يتفق معه في العلم والحقيقة والموضوعية

فقد تتبعت غلوبال تايمز في تحقيق لها عن هذا البحث الذي نشرته هارفارد لمعرفة مدى صحته واتساقه مع الواقع والحقيقة، وتتبعت موقف السيارات في مستشفى هوبي لصحة الأم والطفل، والذي استخدمه فريق كلية الطب بجامعة هارفارد في بحثه، وقد توصل تحقيق غلوبال تايمز ان المستشفى كانت تحت البناء في الوقت الذي استخدمته هارفارد لتصل للنتائج العجيبة، وأكد العاملون بالمستشفى أن الموقف لم يكن تم الانتهاء من إنشائه بعد.

كما قال خبراء الأقمار الصناعية الذين قابلتهم صحيفة “غلوبال تايمز”، إن صور الأقمار الصناعية هذه لم يتم التقاطها من نفس الزاوية، فعلى سبيل المثال في مستشفى تشونغ تشان يوجد هناك عدد أقل من المركبات في صور 2018 ذلك فقط لأن السيارات كانت مغطاة بمبنى المستشفى لأنها تم التقاطها من زاوية مائلة، لكن في صورة 2019 تم أخذها من زاوية عمودية فتظهر المزيد من السيارات في الصورة.

وتساءلت صحيفة غلوبال تايمز: ماذا يمكن أن تعني 100 سيارة إضافية في موقف للسيارات بالنسبة للمدينة الكبيرة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة؟ وفقًا لبيانات حكومة ووهان، في مارس 2019، بلغ عدد السيارات في المدينة 3.2 مليون، بزيادة قدرها 278000 سيارة مقارنة بعام 2018، كما أن موقف السيارات في مستشفى هوبي لصحة الأم والطفل الذي تم تصويره على صورة القمر الصناعي لم يستخدم ساحة انتظار خاصة بالمستشفى في 2018، ولكن تم استخدامه كموقف مؤقت مع سيارات أخرى لمنطقة تجارية مكتظة بالسكان والمترددين في منطقة جيداو كو وذلك أثناء تجديد المستشفى، ولكن في 2019 بعد الانتهاء من بناء المستشفى من الطبيعي أن يمتلئ موقف السيارات عن آخره، لأن بعد تجديدك أصبحت السيارات التي كانت تبحث عن مكان لها بعيد تتجمع في الموقف بعد اكتمال بنائه.

وقد خلص تقرير غلوبال تايمز أن الدراسة لم يتم مراجعتها من قبل جامعات أو معاهد مماثلة، ولا يمكن الاعتماد عليها كحقائق، ولكن جذب هذا التقرير الغير منصف اهتمامًا لأن “كورونا الجديد” موضوع تم تسييسه من قبل بعض السياسيين الأمريكيين، فقد نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا البحث على تويتر وصورة لشبكة فوكس نيوز لتغطية نتائج البحث، استخدامها كـحقائق لمهاجمة الخصم التجاري والاقتصادي العنيد (الصين).

حتى انه في 10 يونيو، اضطرت منظمة الصحة العالمية للاستجابة لضغوط الإعلام الأمريكي والساسة الأمريكيين، وقالت المنظمة إنه يمكن استخدام المعلومات الجغرافية المكانية من الأقمار الصناعية لتتبع تغير المناخ، وهجرة السكان، والتلوث البيئي، وما إلى ذلك من أمور تكون فيها أداة مفيدة.

ولكن لا يمكن المبالغة في تفسير التغيرات في عدد السيارات في ساحة انتظار السيارات بمستشفى ثم “القفز” بخطوتين أو ثلاثة لاستخلاص استنتاج مفاده أن هذا مرتبط بوباء الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد.

البحث الذي نشرته جامعة هارفارد ليس الوحيد من نوعة الذي يحاول تحميل الصين المسئولية عن كوفيد -19، فهناك تقريرًا منسوب لشركة سييرا نيفادا، وهي أحد مقاولي وزارة الدفاع الأميركية، قد انتهى أيضا إلى أن معهد ووهان للعلوم الفيروسية منشأ الفيروس، وذلك بالاعتماد على بيانات حركة المرور. ولكن سرعان ما دحض (موقع) “ديلي بيست” الأميركي التقرير مستعرضًا وقائع مفصلة تثبت أنّ ما يسمى بـ”الأدلة” المذكور في تقرير سييرا نيفادا مليئة بالثغرات، وغير موضوعي.

الدعاية الأمريكية عبر عقود كثيرة استطاعت بناء علامات تجارية وأسماء لامعة، وأصبحت لدى المثقفين على مستوى العالم حقائق لا تقبل الشك، ومن هذه العلامات والحقائق هو موضوعية جامعة هارفارد حتى ان الأبحاث الصادرة منها أصبحت لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها -حاشا لله-، وفجأة اتضح زيف كل ذلك وسقطت كل الأقنعة، وبقيت حقيقة واحدة أن الغاية تبرر الوسيلة عند الغرب بشكل عام والإدارة الأمريكية الحالية بشكل خاص.

 

 

تابع مواقعنا