السبت 06 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

أزمة المثقف في سوريا.. صوت "لكن" في مهرجانات "نعم"

الجمعة 14/فبراير/2025 - 07:37 م

نحن حررنا الشعب السوري، وإذا حررت خطيفة أو مختطف فلا يمكن له أن يسألك إلى أين ستأخذني!

تحفة دبلوماسية من مسؤول الخارجية، لا صوت يعلو فوق صوت المحرر الجديد، سقط القناع! وكأن التاريخ يعيد نفسه، إذ يقال الانتقام وجبة يقدمها المنتصرون باردة، مما يدفعني للسؤال: هل في جيناتنا شيفرة سرية تحول كل منتصر إلى نسخة عن خصمه؟

من يلوم المثقفين على حذرهم وتشككهم في المشهد السوري الجديد، كمن يلوم النسر على ارتفاع تحليقه، الجهل طعم رائع اسمه راحة البال، والعقل يجلد نفسه بسياط السؤال، المثقف محكوم عليه بالتحليق عاليًا، ليرى تراجيديا الحدث، كيف تتشكل الدوائر، كيف تتكرر المصائر، مسكين هذا المثقف؛ لا يملك رفاهية هذا الجهل المريح.. هروبك مما يؤلمك سيؤلمك أكثر، لا تهرب بل تألم حتى تشفى.

من الأسهل بكثير خداع الناس من إقناعهم بأنه تم خداعهم، هذه ليست حكمة، بل هي قانون في علم النفس الجمعي، لأن الناس يريدون أن يصدقوا، يحتاجون أن يؤمنوا، يشتهون أن يفرحوا، لكن المثقف محكوم عليه بعذاب الشك المقدس، هو حارس الأسئلة في زمن الإجابات السهلة، مصلوب على خشبة السؤال، مُدان بيقظة أبدية، حامل الشك في موسم اليقين الأعمى، صوت "لكن" في مهرجان "نعم".

المثقف حين يسكت عن مساءلة التغيير، حين يكف عن تشريح اللحظة التاريخية، حين يتوقف عن فضح التناقضات، يصبح شريكًا صامتًا في خداع جديد، متواطئًا في مسرحية يتبادل فيها الممثلون الأقنعة، ويتناوب فيها الضحايا والجلادون على أدوار البطولة. ولكن التاريخ يعلمنا أن المتفائل والمتشائم كلاهما ضروري للمجتمع، فالأول صنع الطائرة والثاني صنع مظلة الإنقاذ.

تتجلى في سوريا اليوم هذه المعادلة بوضوح، أن البعض لا يريد العدل في سوريا، بل تقسيم الظلم بشكل عادل، ومع التحول الجذري في موازين القوى، يبقى السؤال: هل هو تغيير حقيقي نحو العدالة أم مجرد إعادة توزيع للظلم بين أطراف جديدة؟ فالإنسان مخير فيما يعلم ومسير فيما لا يعلم، أي أنه يزداد حرية كلما ازداد علمًا.

ماذا يشاهد المثقف؟ من الأسهل بكثير خداع الناس من إقناعهم بأنه تم خداعهم. انظر في الدوائر الحكومية، تتبدل الوجوه لكن البيروقراطية تبقى كما هي؛ موظفون جدد بذقون طويلة يجلسون خلف نفس المكاتب القديمة، يمارسون نفس الروتين البطيء، لكن بنكهة جديدة من المحسوبية على أسس مختلفة، بينما في المدارس، تتغير المناهج بصمت. فالبطانة الجديدة بعباءة الشرع، يعتبرون نفسهم سفراء وأوصياء على العفة والحشمة في المجتمع!!

في خضم هذا التحول، يبدو أن الساعة السورية قد توقفت عند لحظة فارقة، لكن البوصلة لا تزال تائهة، صحيح أن البشر اخترعوا البوصلة قبل الساعة لأن الاتجاه أهم من الوقت، لكن سوريا اليوم تفتقد كليهما، لا الوقت في صالحها ولا البوصلة تشير إلى اتجاه واضح.

الطريق أمام سوريا طويل وشاق، يتطلب حكمة استثنائية وإرادة صلبة للخروج من النفق المظلم، والمطلوب اليوم ليس تقسيم الظلم بعدالة، بل تأسيس عدالة حقيقية تضمن حقوق الجميع وتحمي التنوع السوري الثري، فقط حينها يمكن للبوصلة السورية أن تشير إلى اتجاه واضح نحو المستقبل.

حتى ذلك الحين، سيظل المثقف صوت "لكن" في مهرجانات "نعم"، وسيظل السؤال المحرج يتردد: إلى أين تأخذون سوريا؟

تابع مواقعنا