ما معنى واضربوهن في سورة النساء؟.. شيخ الأزهر يرد: هذا هو المستحيل بعينه
قد يجهل البعض ما معنى واضربوهن في سورة النساء، ويفسرها تفسيرًا خاطئًا يؤدي إلى تشويه المعنى الحقيقي وتكوين صورة خاطئة عن تعاليم الإسلام السمحة. وقد يروج البعض لمفهوم خاطئ يدعون من خلاله أنهم يفهمون ما معنى واضربوهن في سورة النساء، وأنها دعوة صريحة لإباحة ضرب الزوجة، بينما قد شرح المفسرون وأهل العلم معنى واضربوهن في سورة النساء بشكل واضح وصريح لا يقبل التأويل. وعبر القاهرة 24 نتعرف على ما معنى واضربوهن في سورة النساء، وسبب نزولها وتفسيرها.
ما معنى واضربوهن في سورة النساء؟
تناولت كتب تفسير القرآن الكريم، معنى واضربوهن في سورة النساء، وهي الآية الصريحة التي تتحدث عن حالة واحدة وكيفية التعامل معها بحسب الشرع، فقد أوضح ابن كثير أن الآية الكريمة تستهدف شذوذ الزوجة وطريقة تعامل الرجل في هذه الحالة.
جاء لفظ واضربوهن، ضمن كلمات الآية رقم 34 من سورة النساء، والتي نصها: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا".

أمر الشرعُ الشريف الزوجَ والزوجة بإحسان عِشْرة كل منهما إلي الآخر، وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حُسْن معاملتهم لزوجاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي» (رواه الترمذي)؛ لذلك كان منهج النبي كما تحكيه زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «مَا ضَرَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا» (أخرجه مسلم).
واستنادُ البعض لانتهاك جَسِد المرأة بالضَّرْب الوارد الآية الكريمة: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]، ما هو إلا فَهْمٌ سقيم يخالف المنهج النبوي؛ لأنَّ الآية لا يُقْصَد منها إيذاء الزوجة ولا إهانتها، وهذا يتفق مع ما صَحَّ عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه نهى عن ضَرْب النساء بقوله: «لاَ تَضْرِبُوا إمَاء الله» ومعلوم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان أعلم الناس بمقاصد القرآن الكريم وأحكامه
وأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها تقتضي تحريم العنف الجسدي والنفسي ضد الزوجة، لا سيما وأنَّ الحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]. عرض أقل
ويفسر ابن كثير قوله تعالى "واللاتي تخافون نشوزهن فَعِظُوهُنَّ" أي: والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن. والنشوز هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له.
وبحسب الآية الكريمة؛ فإن تعامل الزوج مع زوجته الممتنعة عن منحه حقوقه الشرعية يكون متدرجًا، يبدأ بالعظة والتخويف من عقاب الله، فقد قال ابن كثير في تفسير "فَعِظُوهُنَّ": "فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه".
وأوضح أن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها".
وروى البخاري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه، لعنتها الملائكة حتى تصبح" ورواه مسلم.

فإن أصرت الزوجة على عنادها، تأتي المرحلة الثانية من العقاب، بالهجر في المضاجع لقوله تعالى "واهجروهن في المضاجع" قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الهجران هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره، وابن عباس في رواية: ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها.
وقال علي بن أبي طلحة أيضا، عن ابن عباس: يعظها، فإن هي قبلت وإلا هجرها في المضجع، ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها، وذلك عليها شديد.
وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
وفي حالة تعنت الزوجة واستمرارها في عصيان زوجها فيما يأمرها من شئون الدنيا أو حقوقه الزوجية، تأتي المرحلة الثالثة والتي تشرح ما معنى واضربوهن في سورة النساء، إذ قال ابن كثير "إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح".
واستدل ابن كثير بما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: "واتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف".
وكذا قال ابن عباس وغير واحد: ضربا غير مبرح، وقال الحسن البصري: يعني غير مؤثر، وأجمع الفقهاء ألا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضرب ضربا غير مبرح، ولا تكسر لها عظما، فإن أقبلت وإلا فقد حل لك منها الفدية.
وبعد أن أقر الله تعالى تدرج عقاب المرأة العاصية لزوجها، فقد حق لها إن استجابت وتابت إلى الله ألا يبغي عليها زوجها ولا يظلمها، فقد قال تعالى "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" أي: فإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها، مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها.
وبحسب ابن كثير، وقوله "إن الله كان عليا كبيرا" تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

تفسير آية وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المضاجع واضربوهن
وحول من يستخدم تفسير آية وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المضاجع واضربوهن، لتشويه الإسلام، شدد الغمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، على أن هذه الآية لا تصلح للاحتجاج به على أن القرآن يؤصل لضرب المرأة.
وأوضح شيخ الأزهر في لقاء تلفزيوني، أن الاحتجاج بها في هذا المقام جهل عريض بلغة القرآن، ودلالات ألفاظها، ومثل المستدل بها على هذه الدعوى الخبيثة مثل من يستدل بحكم الاستثناء والضرورة على حكم القاعدة الثابتة المستقرة.
وبيّن أن الآية حين تفسر على ضوء آيات أخرى ترتبط بها؛ فإنها لا تقرر حكما عاما للرجال يبيح لهم ضرب النساء، ولا تعطي حقا مطلقا للأزواج في ضرب زوجاتهم، يستعملونه وقت ما يريدون، ويتركونه وقت ما يريدون أو يقترفونه كلما شعروا بحنق أو غيظ أو غضب في حوار مع زوجاتهم أو نقاش أو جدال، أو أي سبب آخر من الأسباب؛ غير سبب "النشوز".
وحول ما معنى واضربوهن في سورة النساء، أكد شيخ الأزهر أن المقصود هو الضرب غير المبرح في سياق حالة محددة معينة، هي نشوز الزوجة، وأوضحت الآية كيفية علاج هذا النشوز وبيان أنواعه وترتيب مراحله.
وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أن الحكم الشرعي العام في جريمة الضرب هو: حرمة الضرب حين يكون بقصد الإهانة أو الإيذاء لأي إنسان،
وشدد على أن فرق كبير جدا بين القول بأن القرآن الكريم في هذه الآية يبيح للزوج حق ضرب زوجته كلما رأى ذلك، أو أراده، وبين القول بأنه يبيح للزوج قدرا معينا محدودا من هذا التصرف، يلجأ إليه التجاء المضطر لعلاج أخير ينقذ به أسرته وأطفاله من التدمير والتشريد.
فيما استدل الطيب على النهي القاطع عن إباحة ضرب الزوج زوجته إباحة مفتوحة، في كل الأحوال والظروف، وكيفما كانت الأسباب والدواعي، بالآية الصريحة «ولا تضاروهن»، وقوله: «وعاشروهن بالمعروف»، فهو حالة محرمة على الزوج تحريما باتا، بينما المباح اضطرارًا هو في حالة النشوز فقط.
وبرر شيخ الأزهر اللجوء إلى الضرب كعقاب مضاعف للمرأة الناشذ، من باب ارتكاب ضرر أخف لمنع ضرر أكبر يهدم الأسرة على رؤوس الجميع.
وحذر الإمام من تفسير «واضربوهن» على الإباحة المطلقة بضرب الزوج لزوجته، بقوله "فإنك حالتئذ ستحكم من حيث تعي أو لا تعي بأن القرآن متناقض؛ لأنه سيكون كمن يأمر الأزواج بضرب زوجاتهم في آية النساء هذه، بينما يأمرهم بأن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف في آيات أخرى كثيرة، وحيتئد يكون الأمر الإلهي أمرا بالشيء ونقيضه في آن واحد، وهذا هو المستحيل بعينه".


