الانقسام حول قانون الانتخابات
كان الحوار الوطني جادا في مناقشاته، ونافذة للأحزاب السياسية، والقيادات الفكرية والسياسية، للتواصل وتبادل الآراء، وعرض الرؤى المختلفة ومناقشاتها، والسعي إلى الوصول إلى توافق يخدم ويرسخ قيم الجمهورية الجديدة، وإيمانا بأنه نافذة مهمة لفتح أفاق للتعددية السياسية، وما له من فاعلية وأهمية لصانع القرار، في أن يتخذ خطواته المبنية على مناقشات مستفيضة، باطلاعه على آراء ورؤي مختلفة، فالتنوع في الآراء يخدم الدولة ويحفظ لها استقراراها.
وكان من إحدى توصيات الحوار التوافق للوصول على نظام انتخابي أمثل، بدلا من النظام السابق الذى يعتمد على القائمة المطلقة المغلقة، بجانب النظام الفردى، وكانت القائمة النسبية من مخرجات الحوار الوطني وتوصياته، كما كان هناك مقترحات أخرى عديدة تحقق النسب الدستورية المطلوب إثباتها.
لكننا فوجئنا بالأغلبية بالبرلمان بتقديمها مشروع قانون بتعديل بعض احكام قانون مجلس النواب الصادر بقانون رقم 46 لعام 2014، والقانون رقم 174 لعام 2020 بشأن تقسيم الدوائر لمجلس النواب، وكذلك تعديل بعد احكام قانون مجلس الشيوخ رقم 141 لعام 2020.
وبطبيعة الحال ستكون لهم الغلبة في اقراره داخل البرلمان، وذكر رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان، أن مشروع القانون يهدف إلى تحقيق التمثيل العادل والمتكافئ للسكان والمحافظات وفقًا للتطورات والتقسيمات الإدارية المستحدثة، وفي ضوء الإحصائيات المحدثة المقدمة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والهيئة الوطنية للانتخابات عن عام 2025.
وأن التعديلات البسيطة التي تمت، تحقق التمثيل العادل بين عدد الناخبين وعدد النواب الممثلين عن كل دائرة.
كما خرجت الأغلبية المقدمة لمشروع القانون، والحكومة ممثلة في المستشار احمد فوزي، في الإشادة بالقانون وانه يحقق النسب الدستورية المقرر تمثيلها طبقا للدستور، ويرسخ مبدا العدالة ويحقق التوازن، ومعبر عن الخريطة السكانية لمصر، وانه لا قيود على العملية الانتخابية والقانون يسمح لكل مواطن مستوفي الشروط في الترشح، وعلى الأحزاب التقدم لعمل قوائمها والمشاركة في الانتخابات، وانه لا يوجد نظام انتخابي مثالي، وان كانت القائمة النسبية من مخرجات الحوار الوطني، لكنها لم تحظى بالتوافق، وأن المشروع المقدم يحقق النسب الدستورية لكل الفئات ذات التمييز الإيجابي، ويتوافق مع الدستور والقانون.
في الجانب الآخر تقف المعارضة تشجب وتدين، وتعتبر القانون يؤسس لنظام انتخابي غير عادل، يقوض الحياة السياسية، ويقضى على التعددية السياسية، والتنوع المطلوب داخل البرلمان، بل وتهميش للمعارضة، واقصاء الأحزاب الصغيرة، ويهدر أصوات الناخبين، العازفين في الأساس عن المشاركة في العملية الانتخابية، بدعاوى كثيرة منها ان النتائج محسومة مسبقا.
كذلك يقضى هذا المشروع على الأمل بتواصل المناقشات في الحوار الوطنى، فقد كان من مخرجاته الوصول الي النظام الأفضل، والذي يحقق التنوع والتعددية السياسية، إنما ما حدث هو إقصاء متعمد، وانتهازية سياسية تحافظ بها الأغلبية على دوام مكاسبها.
كذلك زيادة رسوم جدية الترشح ستقف عائق أمام الشباب لخوض غمار المعركة الانتخابية، وخصوصا في النظام الفردى، يقينا منهم أن القائمة ستكون محسومة بنسبة كاملة، ولن يجدى فيها المنافسة.
وأن النظام الفردي سيدخل فيه المال السياسي بما لا يقدر الغالبية العظمى من المرشحين على مجابهته، ولن يأتي بالأفضل من المرشحين إنما بما استطاع أن يغري الناخبين.
كما أن التمييز الإيجابي لبعض الفئات، مثل الشباب والمسيحين، والأشخاص ذوي الإعاقة كما في المادة 244 من الدستور محقق بنسبة كاملة، ويهمل تمثيل عادل للعمال والفلاحين طبقا للمادة 243 من الدستور، مع إنهم الركيزة الأساسية للعملية الإنتاجية، والكتلة الصلبة التى تحفظ توازن الوطن، وهذا كيل بمكيالين.
ومع أن الأغلبية الطبيعية من القوى السياسية، رفضت القانون، وأعلنت عن أسبابها المشروعة، واننا نسير في ذات الطريق الخاطئ لغلق المجال السياسي، وإنتاج برلمان لا يعبر بشكل حقيقي عن الشارع المصري، المهدر لأصواتهم، ولا يعبر عن منافسة حقيقية، انما بسيطرة المال السياسي على العملية الانتخابية.
كنت أتمنى أن تعي أحزاب الأغلبية داخل البرلمان، ان الفرصة كانت سانحة، لمشاركة كل القوي السياسية، التي توافقت برغم اختلافاتها السياسية والايدلوجية على مخرجات وتوصيات كان يجب اخذها في الاعتبار، وأن يكون الهدف الأسمى مشاركة لا مغالبة، فالجميع هدفه الأساسي رفعة وحماية الوطن، والعمل على رفاهية المواطنين في جمهورية جديدة تتسع للجميع.


