المعارضة تهدد تركيبة الكنيست الإسرائيلي.. صعود بينيت وتراجع الليكود يعيدان تشكيل خارطة اليمين

كشفت نتائج استطلاع رأي حديث، تحولات لافتة في المشهد السياسي الإسرائيلي، أبرزها تصدر حزب محتمل بقيادة نفتالي بينيت بـ27 مقعدًا، متقدمًا على حزب الليكود الذي تراجع إلى 21 مقعدًا فقط.
استطلاع الرأي الذي أجراه موقع "واللا" يوضح ملامح هذا التحول ويعكس تغيرًا في المزاج الشعبي الإسرائيلي، وتراجع الثقة بقيادة بنيامين نتنياهو، في ظل الانتقادات المتواصلة لأدائه خلال الحرب على غزة، وتعاطيه مع ملفات داخلية شائكة مثل الاقتصاد والقضاء.
يشير صعود بينيت إلى تزايد الطلب على بديل يميني نفعي، قادر على المزج بين النزعة القومية والقدرة على بناء توافقات، وهو ما يعزز مكانة بينيت باعتباره شخصية يمينية معتدلة، بخبرة تنفيذية سابقة، وقبول نسبي لدى فئات من اليمين والوسط.
في المقابل، يعاني الليكود من تآكل واضح في قاعدته، حيث فقد عدة مقاعد مقارنة باستطلاعات سابقة مثل معاريف، وسط شعور بالاستياء الشعبي من استمرار الأزمات الداخلية والانقسامات داخل معسكره، خصوصًا الخلافات حول قانون إعفاء الحريديم من التجنيد.
معضلة الائتلاف
وفيما يتعلق بتوازن القوى، يمنح الاستطلاع معسكر المعارضة 65 مقعدًا من أصل 120، دون احتساب دعم الأحزاب العربية، مقابل 45 مقعدًا فقط للائتلاف الحالي.
هذا التوزيع يشير إلى احتمال نشوء أكثرية قادرة على تشكيل حكومة بديلة، ولكن دون ضمان للانسجام السياسي، نظرًا لتنوع الأطراف المعارضة، والتي تشمل الوسط، واليسار، وأحزاب يمين معتدل.
تبرز هنا معضلة تشكيل ائتلاف واسع ولكنه غير متجانس أيديولوجيًا، ما قد يُصعّب اتخاذ قرارات موحدة في قضايا الأمن والاقتصاد.
السيناريو الافتراضي بدخول يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق، إلى المعترك السياسي عبر تشكيل حزب يميني جديد يحصل على أربعة مقاعد، يُعيد توزيع المشهد، ويُضعف كلا المعسكرين، لاسيما المعارضة التي تخسر في هذا السيناريو ثلاثة مقاعد، فيما يخسر الليكود مقعدًا واحدًا، لتصبح الحصيلة 62 مقابل 44. هذا التطور يبرز مخاطرة التفتت داخل معسكر المعارضة، لاسيما إذا ما جذب كوهين ناخبي اليمين الليبرالي، وهو ما قد يعوق تشكيل حكومة موحدة.
فشل "الصهيونية"
من ناحية أخرى، يعكس فشل حزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش في اجتياز نسبة الحسم (3.25%) في كلا السيناريوهين تراجعًا لافتًا في مكانة اليمين الديني المتطرف.
هذا التراجع قد يُفسّر بسلوك الحزب المتشدد خلال الأزمة الأخيرة، ومواقفه المثيرة للجدل محليًا ودوليًا، ما ساهم في تقويض حضوره الشعبي، ويعني في الوقت نفسه خسارة نتنياهو لحليف إستراتيجي طالما دعّم استقرار ائتلافه.
وفيما يخص فرص تشكيل الحكومة، فإن السيناريو الأول (دون دخول كوهين) يفتح المجال أمام المعارضة لتشكيل ائتلاف حاكم مستقر عدديًا، لكنه هش سياسيًا بسبب التباينات الفكرية بين مركباته.
أما في حال دخول كوهين إلى المعادلة، فإن انخفاض الأغلبية إلى 62 مقعدًا يُعقّد مشهد الائتلاف، لا سيما إذا رفضت بعض القوى، كحزب ييش عتيد أو الديمقراطيون، الانخراط في تحالف مع كيان يميني جديد لم تتبلور ملامحه بعد.
أزمة نتنياهو
الائتلاف الحالي بقيادة نتنياهو يواجه أزمة بنيوية، إذ يعتمد بشكل أساسي على الأحزاب الحريدية مثل شاس ويهودوت هتوراه، واللتين تتعرضان لانتقادات متصاعدة بسبب إصرارهما على إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.
ومع تراجع وزن حزب الصهيونية الدينية، يصبح نتنياهو أمام واقع سياسي ضاغط، يفرض عليه إما إعادة هيكلة تحالفاته أو مواجهة خطر فقدان الأغلبية والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
أما الأحزاب العربية، فتحتفظ بمقاعدها (5 مقاعد للقائمة الموحدة و5 لتحالف الجبهة والطيبي)، لكنها تظل مستبعدة من معادلات تشكيل الحكومة، بحسب ما عكسه الاستطلاع.
غير أن هذا الاستبعاد لا يُلغي إمكانية أن تتحول هذه الأحزاب إلى بيضة قبان في لحظات حرجة، خصوصًا في حال تعثّر مساعي تشكيل حكومة جديدة، أو فشل أي من المعسكرين في ضمان أغلبية صافية.
مؤشرات استشرافية
بينيت قد يكون في طريقه للعودة بقوة إلى الساحة السياسية، مدعومًا بتأييد شعبي متزايد للذهاب إلى انتخابات مبكرة.
استطلاع القناة 12 أظهر أن 57% من الإسرائيليين يؤيدون هذا الخيار، وهو ما يمنحه فرصة لتقديم برنامج متكامل يتناول القضايا الأمنية والاقتصادية، ويستثمر في حالة الإحباط من قيادة نتنياهو.
غير أن دخول يوسي كوهين، رغم حصوله المفترض على أربعة مقاعد فقط، يطرح تحديًا إضافيًا أمام معسكر اليمين، الذي قد يتشتت أكثر بين عدة زعامات. لتفادي هذا السيناريو، سيكون على المعارضة تعزيز التنسيق بين مكوناتها، وربما التفاهم مبكرًا على صيغة تحالفات مرنة، تجمع الوسط واليمين الليبرالي في إطار واحد، يمنع تقاطع الأصوات وتبديد الفرص الانتخابية.
في ظل تصاعد التوترات داخل الائتلاف، خاصة حول قانون التجنيد، وطرح فكرة حل الكنيست من قبل زعيم شاس، تبدو فرص التوجه إلى انتخابات مبكرة قبل الموعد المقرر في أكتوبر 2026 مرتفعة. وإذا ما قررت المعارضة استثمار هذا الزخم، فستحتاج إلى خطاب موحد واستراتيجية متماسكة، مع الحرص على تجاوز الخلافات الداخلية التي قد تقوّض فرصها بالفوز.
ضغوط إسرائيلية
على الصعيد الأمني، لا تزال الحرب على غزة قائمة، ما يزيد من الضغوط على أي حكومة مقبلة. أظهر استطلاع القناة 13 انقسامًا شعبيًا حادًا بين مؤيدين لإنهاء الحرب (48%) ومعارضين لذلك (39%)، ما يجعل من الضروري للأحزاب وضع رؤية أمنية شاملة، مقبولة نسبيًا لدى قطاعات واسعة من الإسرائيليين. اقتصاديًا، يبقى التضخم وتكاليف المعيشة على رأس أولويات الناخبين، لا سيما الشباب، ما يتطلب برامج واقعية تعالج هذه المخاوف.
في المحصلة، يقدم استطلاع "واللا" صورة متشابكة للمشهد السياسي الإسرائيلي، تتسم بعدم الاستقرار وتبدّل الولاءات، مع ضعف متزايد للائتلاف الحاكم وصعود شخصيات يمينية جديدة قد تعيد رسم الخارطة السياسية.
تمتلك المعارضة فرصة حقيقية لتشكيل بديل، لكن نجاحها مرهون بقدرتها على التوحد والتغلب على التناقضات الأيديولوجية.
وفي الوقت نفسه، يحتاج نتنياهو إلى مراجعة عميقة لاستراتيجياته وتحالفاته، إذا أراد الحفاظ على موقعه في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية والداخلية المتنامية.
الفترة القادمة تبدو حاسمة في تقرير مستقبل الحكم في إسرائيل، وسط مؤشرات متزايدة لاحتمال الذهاب إلى انتخابات مبكرة تعيد رسم المشهد من جديد.