ولادة متعسرة
أنا بحب "التسليم".. فكرة إنك تسيب نفسك في كل خطواتك وقرارتك وأمورك المصيرية في إيد ربنا وبس هي فكرة مُلهمة وتقدر بسهولة تقيس بيها كمان درجة إيمانك.. الناس بتصعبها على نفسها لما بيحملوا نفسهم عبء التفكير المضاعف الزيادة عن اللزوم لحد تمام المور وإكتمالها وده غلط لإن قدراتك كإنسان ليها حدود في النهاية ومش من العدل مع النفس إنك تحمل نفسك فوق طاقتها.
دورك في الحياة إنك تعمل كل الممكن اللي في إيدك، وتسيب كل اللي مش ممكن على ربنا.. فيه شاب جميل اسمه "هشام محمد" وكان بطل قصة حلوة حصلت السنة اللي فاتت تستحق تتعرف.. الحقيقة غير إنها حلوة فهي كمان عبثية في نفس الوقت وفيها من ظروفنا ومن اللخبطة اللي محاوطانا والمعافرة والتضبيش اللي معظمنا بيعملوهم وبسببهم ربنا بيسترها معانا من عنده..
"هشام" من مركز "نقاده" محافظة قنا.. شاب بيدرس في الفرقة الثالثة كلية التمريض جامعة جنوب الوادي.. بيحكي في حواره مع الزميلة الصحفية "سمر مكي" في موقع القاهرة 24 إنه رجع بالليل متأخر من بره وكان النور قاطع عندهم في البيت اللي هما الساعتين اللي كانوا بيقطعوا كل يوم دول.
يادوب ريح جسمه على السرير وقال لك ألحق أنام كام ساعة عشان عندي امتحان بكره الصبح وفجأة سمع صوت صراخ جارته ووالدتها من البيت اللي جنبهم!.. طبيعة المنطقة الهادية اللي هما عايشين فيها خلّت أول إنطباع ييجي في باله إن فيه مصيبة بتحصل معاهم!.. فورًا وبدون تفكير وبشهامة ولاد البلد خرج بهدومه عشان يشوف فيه إيه.. خبط بسرعة على بيت جيرانه وفتحت له والدة جارته السيدة المسنة واستنجدت بيه إنه يلحق بنتها اللي بتولد!..
دخل لقى جارته بتولد!.. بتولد اللي هو بتولد فعلًا مش مجرد ألم حمل وخلاص.. مع صراخ الجارة الحامل ووالدتها وصعوبة الوضع ورأس الجنين اللي كانت ابتدت تبان كان لازم يتدخل ومفيش فرصة ولا وقت ينقلها للمستشفى!.. فقرر يولدها!.. الشيء العبثي في الموضوع إن النور قاطع، وطبعًا مفيش أدوات فرجع "هشام" على بيته تاني جاب موبايله ونوّر الكشاف وبدأ يستخدمه في الرؤية!.. بحكم دراسته هو عنده معلومات نظرية عن التوليد بس التطبيق العملي أخباره إيه!
كمل في اللي بيعمله وبقى بين كل لحظة والتانية يبعت بنفس الموبايل على الواتساب يسأل زمايله عن الخطوات عشان يتطمن إنه ماشي صح!.. حتى مرحلة قطع الحبل السُري نفذها بالقياس بإيده وباستخدام موس وبعدها ربطه بخيط وبمشبك غسيل بشكل يمنع حدوث تلوث قدر الإمكان!.. ربنا كرم وبعد شوية وقت صعبين وبُلطف ربنا وكرمه الجنين -(اللي طلعت بنوتة)- نزلت بالسلامة ولما النور رجع طلعوا جرى بالأم على المستشفى وهي وطفلتها في صحة تامة الحمد لله.
أسرة الطفلة صممت إن "هشام" هو اللي يسميها، وسماها "غادة".. اللي تستغرب لما تعرفه إن "هشام" أصلًا وقبل الموقف ده بشوية كان بيذاكر مادة نسا وتوليد عشان كان عنده امتحان فيها الصبح بعد كام ساعة!.. بالمناسبة ورغم الزنقة اللي حصلت لكن "هشام" نجح بتفوق في المادة دي!.. القصة دي سلسلة متواصلة من التسليم لربنا.. التسليم من "هشام" لربنا إنه هيذاكر وهيعمل اللي عليه وهيسيب الباقي على ربنا.. التسليم من والدة الجارة لربنا إنه هينقذ بنتها، وهو نفسه التسليم ده اللي خلاّها تثق في شخص ماتعرفوش عشان يساعد بنتها على الولادة.. التسليم من الجارة نفسها لربنا تعاونت مع "هشام" عشان ينجح في مهمته.. "التسليم" لله كنز حقيقي يا بخت اللي يآمن بيه ويجربه.
التسليم لربنا بيحوّل القلق لسكينة، والخوف لأمان، والحيرة لاستقرار.. لما بتسيب أمورك بين إيديه وبتعمل اللي عليك بقلب صافي، وللنهاية هتلاقي الدنيا بتتفتح قدامك بكرمه.. ربنا مش عايزك تبقى عبقري في التوقع، ولا خبير في حسابات المستقبل.. هو عايزك بس تبقى واثق فيه.. تعمل كل اللي تقدر عليه، وتسلم الباقي له سبحانه وتعالى.. ربنا الأحنّ عليك من أي خطة بتحاول ترتبها، وأكتر واحد عارف الخير جاي منين.. ساعات كتير اللي بيجي من ورا التسليم بيكون أعظم بكتير من اللي كنت بتحلم بيه.. وبعدين؟.. مادم سلمت، تبقى اتطمنت.


