جوهرة الصدق

عندي قناعة تامة إن أي علاقة تقوم على أي درجة من درجات الخداع بأى شكل من الأشكال هي علاقة نهايتها إلى زوال مهما طالت.

نظرية إني لا أكذب ولكني أتجمل هدمت بيوت وصداقات كتير لمجرد إن طرف كان عادي جدًا عنده إنه يكذب كذبة شافها صغيرة عشان المركب تمشي.. وبينسى إن كذبة بتجر كذبة بتجر كذبة بتهد الثقة.. كشف الورق كله على الترابيزة والكلام بمنتهى الوضوح بيختصر سكك وبيرمي الكورة في ملعب الطرف التاني اللي وقتها بيكون بإيده هو يكمل أو لأ.. لو كمل فثقته فيك هتكون لا نهائية لأنك كنت واضح من البداية معاه، ولو قرر مايكملش مش هتخسر حاجة وهتكون اختصرت وقت قبل الوصول للحظة الفراق اللي كانت كده كده هتيجي.

في قصة حقيقية من التراث من مئات السنين وتحديدًا في فترة من فترات الإمبراطورية الصينية القديمة في منطقة إسمها (تينج زدا) كان فيه أمير ولى عهد الأسرة الحاكمة هناك.. الأمير كان بيدور على زوجة ليه.

أسرة الأمير كانوا مصممين إنه يتجوز واحدة من أميرات العائلة بتاعتهم زى التقليد المتبع فى كل الأسر الحاكمة على مر التاريخ.. بس دماغ الأمير ده كانت مختلفة شوية وكان عايز يختار مراته بنفسه وبدون وصاية من حد وبناء على مواصفات خاصة جدًا فى دماغه هو حطها بنفسه.. فعلًا القصر الإمبراطورى أصدر دعوة لكل بنات الإمبراطورية اللى فى سن الجواز عشان يروحوا ساحة القصر عشان الأمير يشوفهم ويختار زوجة منهم.

عدد البنات اللى جُم كان 100 بنت من مختلف الطبقات.. من ضمن البنات كان فيه بنت بتحب الأمير فى صمت من فترة طويلة وكانت بتحلم إنه يختارها هي بس كانت عارفة إستحالة تحقق ده بسبب فقرها وفقر أسرتها.. جه الأمير ووقف وسط البنات وقبل ما يتكلم بدأ عدد من حراسه يوزعوا شوية بذور على كل بنت من البنات اللي حاضرين.. محدش كان فاهم إيه اللى بيحصل!.. لما الحراس إنتهوا من توزيع البذور على البنات بدأ الأمير يتكلم وقال: (كل واحدة منكم دلوقتى معاها بذرة لنبتة زهرة.. أنا عايز كل واحدة منكم تروح تزرع بذرتها وترجعوا هنا بعد 6 شهور بالظبط والبنت صاحبة أجمل زهرة هي دي اللي هتكون مراتي).. حلو ده وطبعًا عرض مغري جدًا وعملية تبان سهلة وبسيطة.

كل بنت أخدت البذور بتاعتها وكل واحدة فيهم جواها أمل إنها تكون صاحبة أجمل زهرة وبالتالي تكون الأميرة اللي جاية.. في نفس الوقت بدأت البنت الفقيرة في زراعة بذرتها هي كمان.. حطتها في قصرية زرع صغيرة وأهتمت بيها وكانت بتحطها فى الشمس وترويها بإنتظام.

بس حصلت مفاجأة إن بعد مرور شهر كامل مفيش أى نبتة طلعت فى القصرية وفضل سطح التربة زى ما هو!.. البنت كمان بدأت تلاحظ إن باقى البنات بدأت الزهور بتاعتهم تظهر وأشكالهم كانت تحفة وعظيمة.. وقتها قالت لنفسها دا إيه الحظ الفقرى بتاعي ده!.. أمها لما شافتها حزينة إقترحت عليها حاجة من إتنين يا إما تحط بذرة تانية جديدة ومختلفة عن اللي الأمير إدهالها يا إما تجيب زهرة مزروعة جاهزة وتحطها وخلاص في القصرية وكده كده محدش هياخد باله.

البنت رفضت وصممت تروح فى الميعاد بتاع الأمير بالقصرية زى ما هي.. فعلًا جه اليوم وكل البنات راحوا لـ ساحة القصر وكل واحدة ماسكة القصرية بتاعتها اللى فيها الزهرة الجميلة الحلوة ماعدا البنت الفقيرة كانت ماسكة القصرية الفاضية.

جت اللحظة الحاسمة وظهر الأمير ومر على كل اللى واقفين وشافهم واحدة واحدة.. لكن فى النهاية بص لـ البنت الفقيرة وشاور عليها وقال لها: أنا أخترتك إنتى عشان تكونى زوجتى!.. طبعًا التصرف أثار إستغراب الكل و=على أى أساس إختار البنت دى بالذات وليه يعنى!.. الأمير قال: (أنا عايز أبنى حياتى على الصدق، وهي الوحيدة اللي كانت صادقة وواضحة معايا.. كل البذور اللى وزعتها عليكم كانت بذور عقيمة لا عمرها أنبتت ولا هتنبت).

نجاح أي علاقة بين أي طرفين سواء حب أو صداقة أو حتى علاقة بين موظف وشغله لو مش مبنية على الصدق كأساس للعلاقة يبقى عمرها ما هتكمل.

الملاوعة، واللف، والدوران، والخُبث، والإستنصاح حاجات جايز تحقق لك مكاسب كبيرة على المدى القريب لكن في النهاية هتكون هي مش غيرها السبب الرئيسي في قفل الصفحة دي للأبد.. الصدق مش رفاهية، واللي يزعل من الحقيقة يتفلق.

سهل تلاقي مليون واحد يقولولك اللي أنت عايز تسمعه، لكن صعب تلاقي شخص واحد أمين في نصيحته وكلامه معاك.. الصدق أمان، واللي يختارك بعد ما بيسمع منك الحقيقة يبقى بيختارك إختيار أبدي.. فيه ناس بتفتكر إن الكدب بيحافظ على العلاقات، بس الحقيقة إن الكدب هو أول مسمار في نعشها.. حتى لو الحقيقة وجعت، أكرم لك بكتير من كدبة تطيب، وبعدين تهد.