سيدة تحضر الجعة.. تمثال صغير يروي ملامح الحياة اليومية في مصر القديمة
تقف قطعة أثرية استثنائية، في قاعة 47 بالمتحف المصري بالتحرير، تلتقط لحظة من حياة المصريين القدماء ببساطة وصدق فني نادر، وهي تمثال لامرأة تُعدّ الجعة، يعود إلى نهاية الأسرة الخامسة -حوالي القرن 24 قبل الميلاد- وعُثر عليه في جبانة الجيزة، في مقبرة مرس عنخ، خلال حفريات الدكتور سليم حسن في الفترة ما بين 1929 و1930.
تمثال صغير يروي ملامح الحياة اليومية في مصر القديمة
ويُجسد التمثال المصنوع من الحجر الجيري والمطلي بالألوان، مشهدًا من مشاهد الحياة اليومية، إذ تُظهر المرأة وهي تنحني فوق وعاء كبير في وضعية تركّز وانشغال بالعمل، في إشارة إلى إعداد نوع من المشروبات المُخمّرة الشبيهة بالبيرة المعروفة آنذاك، والتي كانت تُنتج من الشعير وتُخلط بالماء ثم تُخمّر وتُصفّى وتُخزن في الجرار.
ويمثل هذا التمثال امتدادًا لتقليد شائع في مصر القديمة، حيث كان يوضع داخل المقابر تماثيل صغيرة لرجال ونساء من طبقات خدم المنازل، ليمارسوا مهامهم اليومية في العالم الآخر، كنوع من الضمان للراحة الأبدية لصاحب المقبرة.

التمثال ليس فقط وثيقة أثرية بل عمل فني متكامل، يحمل ملامح واقعية لامرأة مصرية من عامة الناس، يتجلى ذلك في جسدها الممتلئ، وتفاصيل يديها وملامح وجهها البسيطة، مما يبتعد عن النموذج المثالي الذي اعتاد الفن المصري تصويره للنخبة.
اللافت أن الفنان المصري القديم، رغم بساطة الأدوات، نجح في إضفاء روح إنسانية وعاطفية على العمل، حيث تنحني المرأة على الإناء بكامل تركيزها، في مشهد يحمل لمسة من الانطباعية الفنية قبل آلاف السنين.
ويؤكد الأثريون أن هذه القطعة، التي ما تزال تُعرض ضمن سيناريو العرض المتحفي بالمتحف المصري بالتحرير، تُعد من أصدق تمثيلات الحياة اليومية ودور المرأة في الاقتصاد المنزلي، كما تُظهر تميز الفن المصري في توثيق تفاصيل الحياة الصغيرة جنبًا إلى جنب مع توثيقه لمظاهر السلطة والعبادة.


