الأسرة الصحية تُبنى بالاختيار الواعي
في لحظة فارقة من تاريخ الوطن، حيث تُعاد صياغة ملامح الجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتصدر بناء الإنسان المصري قائمة أولويات الدولة، باعتباره الركيزة الأساسية للمشروع القومي للتنمية البشرية ورؤية مصر 2030، وفي قلب هذه الرؤية الاستراتيجية تأتي قضية تنمية الأسرة، ليس باعتبارها قضية طبية أو اجتماعية فحسب، بل باعتبارها قرارًا وطنيًا استراتيجيًا يمسّ أمن مصر القومي وقدرتها على المنافسة عالميًا.
منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وتحديدًا في عام 1994، وأثناء انعقاد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD) في القاهرة، أطلقت الدكتورة نفيس صادق، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان آنذاك، مقولتها الشهيرة: "الأسرة الصحية تُبنى بالاختيار الواعي.. لا بالصدفة"، وهي مقولة لم تكن مجرد شعار في محفل دولي، بل رؤية عميقة سبقت عصرها، أكدت أن مستقبل الأوطان يبدأ من رحم الأم، وأن قرار الإنجاب ليست شأنًا فرديًا عابرًا، بل حجر أساس في بناء رأس المال البشري للدولة.
اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على تلك المقولة، أصبح العلم يؤكد ما تنبّهت إليه مبكرًا، فقد قدم لنا الطب الحديث مفهومًا ثوريًا يُعرف بـ "برمجة الجنين" (Fetal Programming)، والذي يوضح كيف أن البيئة التي يعيش فيها الجنين داخل رحم الأم تُشكّل مستقبل صحته الجسدية والعقلية وقدرته على الإنتاج والابتكار، التغذية السليمة للأم، المتابعة الطبية الدقيقة، الاستقرار النفسي، وحتى الفاصل الزمني بين الولادات، كلها عوامل تحدد بشكل كبير جودة حياة الجنين بعد الولادة، أي خلل في هذه البيئة الدقيقة قد يؤدي إلى ما يُعرف بالبرمجة السلبية، التي ترفع احتمالية إصابة الطفل مستقبلًا بأمراض السمنة والسكري وضعف المناعة ومشاكل النمو الجسدي والعقلي.
ببساطة شديدة: ما يحدث في رحم الأم اليوم يحدد ملامح مصر غدًا، ومن هنا تبرز الأهمية الاستراتيجية لـ تنظيم الأسرة كأداة أساسية في بناء جيل قوي وقادر على المنافسة، فاختيار توقيت الحمل، وعدد الأطفال، والفاصل الزمني بين الولادات، يمنح الأم فرصة لاستعادة صحتها البدنية والنفسية، ويتيح للأسرة توفير الرعاية الكافية لكل طفل، بما يضمن بيئة مثالية لنموه السليم، إننا لا نتحدث عن وسيلة للسيطرة على النمو السكاني، بل عن سياسة وطنية لحماية صحة الأمهات والأطفال، وضمان إنتاج أجيال تتمتع بالقدرة والإبداع، تدعم مسار الدولة نحو التنمية الشاملة.
لقد أدركت الدولة المصرية هذه الحقيقة فوضعت قضايا الصحة الإنجابية وتنمية الأسرة في قلب استراتيجيتها القومية، من خلال المشروع القومي للتنمية البشرية ورؤية مصر 2030، حيث أصبح بناء الإنسان المصري هو المعركة الحقيقية لمستقبل الوطن، فالاستثمار في صحة الأمهات والأطفال اليوم هو استثمار مباشر في جودة رأس المال البشري، العمود الفقري لأي تنمية اقتصادية أو اجتماعية.
أثبتت مقولة د. نفيس صادق أنها لم تكن دعوة عابرة في مؤتمر دولي، بل خريطة طريق نحو مستقبل وطن، إن الاختيار الواعي للأسرة ليس رفاهية اجتماعية ولا قرارًا شخصيًا فحسب، بل هو واجب وطني ومسؤولية جماعية، لأنه يحدد جودة حياة الأجيال القادمة وقدرتهم على صناعة المستقبل.
ومن رحم الأم تبدأ المعركة الحقيقية لبناء مصر القوية.. مصر التي يحلم بها الرئيس، حيث يكون الإنسان المصري هو الثروة الحقيقية، وحيث تتحول قراراتنا الفردية اليوم إلى قوة وطنية غدًا، لنصنع معًا أمةً قادرة على تحقيق النهضة ومنافسة العالم تحت راية الجمهورية الجديدة.


