مسؤول التأمين الصحي صاحب بالين
"صاحب بالين كدّاب والتالت منافق"، مثل شعبي يُستخدم للتعبير عن عدم قدرة الشخص على أداء مهمتين أو أكثر بنفس الكفاءة. هذا المثل يجد اليوم صدى في واقعنا الإداري، حيث يبدو أن وزارة الصحة والسكان لم تتعلم بعد من دروس تضارب الاختصاصات وتشابك المهام.
فهل يُعقل أن تخلو وزارة الصحة، بما تضم من آلاف الكفاءات الطبية والإدارية، من شخصية مؤهلة لتولي منصب واحد على الأقل، حتى يجمع الدكتور أحمد مصطفى بين مهام رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي، ومنصبه الآخر كمستشار الوزير لشئون قوائم الانتظار، والمنسق العام، ومدير الغرفة المركزية لمشروع إنهاء قوائم انتظار مرضى الجراحات والتدخلات الحرجة؟
المنصبان كلاهما ثقيل، ويحتاج كل منهما إلى تفرغ كامل وإدارة دقيقة، فالهيئة العامة للتأمين الصحي تمثل واحدة من أضخم المؤسسات الخدمية في الدولة، وتتحمل مسؤولية رعاية ملايين المواطنين من المنتفعين، فضلًا عن إدارتها لمئات المستشفيات والعيادات. أما مشروع إنهاء قوائم الانتظار، فهو أحد المشروعات الرئاسية ذات الأولوية القصوى، ويستدعي متابعة لحظية وتنسيقًا متواصلًا مع مختلف الجهات الطبية.
لكن الواقع أثبت أن الجمع بين المنصبين لم يكن أمرًا هيّنًا، خصوصًا بعد الكارثة الطبية التي شهدها مستشفى 6 أكتوبر للتأمين الصحي، حيث فقد عدد من المرضى أعينهم عقب عمليات مياه بيضاء، في واقعة هزّت الرأي العام وطرحت تساؤلات خطيرة حول الرقابة والجودة والالتزام بإجراءات مكافحة العدوى.
ورغم خطورة ما حدث، فقد أحال الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، الواقعة إلى النائب العام بعد انتهاء لجان التحقيق من أعمالها، في خطوة عكست إدراكه لجدية الكارثة وضرورة محاسبة المقصرين، غير أن السؤال يبقى مطروحًا: إذا كان المنصبان في الأصل بحاجة إلى جهد استثنائي، فهل يجوز أن يتحملهما شخص واحد مهما بلغت كفاءته؟ أليست النتيجة الطبيعية لذلك أن تضيع المسؤوليات بين مكتبين، وتتوه المتابعة بين ملفين، فلا يحصل المريض على الرعاية التي يستحقها ولا تتحقق معايير الجودة التي تَعِد بها الوزارة؟
الإصلاح الهيكلي الذي تتحدث عنه الوزارة يبدأ من حسن توزيع المهام، وعدم تركيز السلطات في يد شخص واحد، وإلا تحوّل المشروع الوطني إلى مجرد شعارات، وتحوّلت الكارثة الطبية إلى درس لم نتعلم منه.
المثل الشعبي ليس مجرد حكمة دارجة، بل خلاصة خبرة أجيال. و"صاحب بالين كدّاب" تعني أن الانشغال بأكثر من مهمة يفقدك القدرة على إنجاز أي منها بجدارة. واليوم، بعد واقعة مستشفى 6 أكتوبر وإحالتها للنائب العام، ربما يكون على وزارة الصحة أن تتأمل هذا المثل جيدًا، وأن تسأل نفسها: هل وقعت في فخ ازدواج المناصب؟


