الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

فضيحة الإدارة المؤقتة برئاسة بلير.. خارطة احتلال أمريكي - بريطاني جديد لغزة

الجمعة 26/سبتمبر/2025 - 02:30 م

تسربت مؤخرًا معلومات مثيرة للجدل، تفيد بأن الإدارة الأمريكية تبلور خطة غير مسبوقة لإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب.

أساس الخطة في مرحلتها الأولى يقوم على رئاسة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، حكومة مؤقتة في غزة، بمعزل عن السلطة الفلسطينية، وبالتنسيق مع بريطانيا وإسرائيل.

يعني هذا أن غزة قد تجد نفسها أمام شكل جديد من الاحتلال المركّب، حيث تتداخل فيه الأدوار الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، تحت شعار الإدارة المؤقتة التي يُفترض أن تمهّد لمرحلة إعادة إعمار وضبط أمني.

خلفيات تآمرية

ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها اسم توني بلير في سياق القضية الفلسطينية، فمنذ توليه مهمة مبعوث اللجنة الرباعية الدولية بين عامي 2007 و2015، كان بلير حاضرًا في ملفات غزة والضفة، وعُرف بعلاقاته الوثيقة مع القيادات الإسرائيلية.

ويدعم، بلير، حلول تركز على الجانب الأمني والاقتصادي أكثر من البعد السياسي، لكن عودة اسمه الآن ليست صدفة؛ بل تعكس رغبة أمريكية في إسناد إدارة الملف إلى شخصية غربية مقبولة لدى تل أبيب، وقادرة على التواصل مع بعض العواصم العربية.

ووفقًا للتقديرات، تطرح الخطة إقامة سلطة انتقالية في غزة تخضع لإشراف دولي، مع صلاحيات واسعة في إعادة تنظيم البنية المدنية والخدماتية والأمنية، هذه السلطة ستكون مسئولة عن ضبط المعابر، توزيع المساعدات، إعادة بناء البنية التحتية، والتعامل مع ملف النازحين. 

غير أن أساسها بحسب منتقدين، يكمن في إقصاء المقاومة الفلسطينية ومنع عودتها إلى الحكم، عبر فرض واقع جديد لا مكان فيه للفصائل المقاومة.

تحالف مشبوه

تسعى واشنطن من خلال هذه الخطة إلى تحقيق جملة أهداف متداخلة، لا سيما حماية إسرائيل من العودة إلى إدارة القطاع مباشرة، وهو ما لا ترغب فيه تل أبيب رغم أنها تسيطر على القطاع عسكريًا.

ثانيها، خلق واجهة دولية لتخفيف الانتقادات الموجهة إلى الولايات المتحدة بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل خلال الحرب.

أما الهدف الثالث فهو اختبار نموذج جديد للسيطرة السياسية على غزة يمكن تعميمه على مناطق أخرى إذا نجح المخطط المرسوم.

أما بريطانيا، فإن قبولها بلعب دور محوري عبر شخصية بلير يعكس محاولتها لاستعادة نفوذها في الملف الفلسطيني، بعد عقود من الغياب النسبي.

بلير، الذي يحمل إرثًا معقدًا من حرب العراق 2003، قد يجد في هذه المهمة فرصة لتبييض صورته الدولية، فيما ترى لندن أن الدخول إلى غزة عبر مظلة أمريكية- إسرائيلية قد يعيد لها مكانة مفقودة في الشرق الأوسط.

تغييب السلطة

أحد أبرز أركان الخطة يتمثل في تهميش السلطة الفلسطينية في المرحلة الأولى، إذ تعتبر الإدارة الأمريكية أن إشراك السلطة منذ البداية سيواجه بمعارضة إسرائيلية قوية، خصوصًا في ظل التشكيك بدورها وبمدى سيطرتها الفعلية.

وتُفضّل واشنطن الإبقاء على السلطة في مقعد المتفرج مؤقتًا، على أن يتم إدماجها تدريجيًا إذا استقرت الأوضاع، أو إذا أثبتت قدرتها على التماهي مع الترتيبات الجديدة.

هذا التوجه يثير قلقًا كبيرًا في رام الله، من تكريس فصل غزة عن الضفة بصورة مؤسسية، وهو ما قد يُضعف المشروع الوطني الفلسطيني ككل، ويجعل أي أفق لإقامة دولة فلسطينية موحدة أكثر صعوبة.

دلالات متعددة

الخطة لا يمكن قراءتها فقط كترتيب إداري، فهي تحمل أبعادًا سياسية وأمنية عميقة، فعلى الصعيد السياسي، يشكّل تكليف بلير رسالة بأن مستقبل غزة لن يكون بيد الفلسطينيين وحدهم، بل بيد القوى الغربية الكبرى. 

أما على الصعيد الأمني، فهي خطوة لتفكيك أي بنية عسكرية للمقاومة في القطاع، وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية على أسس جديدة، ربما بمشاركة خبراء غربيين أو بتمويل من دول الخليج.

إلى جانب ذلك، تسعى إسرائيل من خلال هذه الترتيبات إلى إرسال رسالة مزدوجة: فهي من جهة تؤكد أنها لن تتحمل عبء إدارة غزة، ومن جهة أخرى تضمن أن القطاع لن يعود إلى أيدي حماس أو أي قوة مناهضة.

التحديات المتوقعة

مع ذلك، تواجه الخطة عقبات جدية، أولها، رفض الفصائل الفلسطينية التي ستعتبر الأمر شكلًا جديدًا من الاحتلال المباشر، ثانيها، الموقف العربي، حيث من المتوقع أن تتحفظ مصر على تهميش السلطة الفلسطينية، وقد ترى في المشروع تهديدًا للتوازنات الإقليمية، ثالثها، الموقف الدولي، إذ أن استصدار قرار من مجلس الأمن يمنح شرعية لهذه السلطة قد يواجه اعتراضات من دول كروسيا والصين.

هناك أيضا البعد الشعبي، إذ من غير الواضح كيف سيتعامل أهالي غزة مع سلطة يقودها بلير، المعروف بدعمه للغزو الأمريكي للعراق وبقربه من إسرائيل، هذا العامل قد يحول دون قدرة السلطة المؤقتة على فرض استقرار فعلي على الأرض.

أبعاد استراتيجية

إذا تمكنت واشنطن من تمرير خطتها، فإن ذلك سيؤسس لمرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، فغزة ستصبح حقلًا لتجربة إدارة جديدة «دولية- غربية»، ما قد يخلق سابقة يمكن استخدامها لاحقًا في مناطق أخرى. 

كما أن استبعاد الفلسطينيين من إدارة شؤونهم يعيد القضية إلى مربع الوصاية الخارجية، تماما كما كان الحال في مراحل ما قبل قيام السلطة.

من جهة أخرى، فإن الدور البريطاني يفتح الباب أمام تحالفات جديدة، مع سعي واشنطن لتوزيع الأعباء وعدم الظهور بمظهر القوة المنفردة، ورغبة لندن في أن تعزز المشاركة مكانتها العالمية في مرحلة ما بعد «بريكست». 

لكن هذا التحالف قد يثير ردود فعل سلبية في العالم العربي، الذي لا يزال يحمل ذاكرة استعمارية مرتبطة بالانتداب البريطاني ووعد بلفور.

ويمكن حصر المسارات المتوقعة في ثلاثة سيناريوهات رئيسية، الأول، نجاح الخطة في فرض واقع جديد، تقوم بموجبه إدارة دولية بتولي شؤون غزة خلال فترة انتقالية تمتد لعدة سنوات، تشمل إعادة الإعمار، وفرض الأمن عبر أدوات غربية، مع إقصاء حماس بصورة نهائية، فيما تبقى السلطة الفلسطينية لاعبًا ثانويًا محدود التأثير.

والسيناريو الثاني: فشل الخطة نتيجة مقاومة فلسطينية داخلية، أو اعتراضات عربية ودولية واسعة، في هذه الحالة، قد تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى إدارة القطاع بصورة مباشرة، وهو الخيار الذي تسعى إلى تجنبه.

أما السيناريو الثالث: إدخال تعديلات على الخطة الأصلية، تسمح بمشاركة السلطة الفلسطينية وبعض الأطراف العربية منذ البداية، بغرض امتصاص الاعتراضات وتخفيف الضغوط. وفي هذا التصور، يظل توني بلير أو أي شخصية أخرى مماثلة على رأس السلطة المؤقتة.

المشروع الأمريكي- البريطاني لإدارة غزة عبر توني بلير يكشف عن تحوّل استراتيجي في طريقة مقاربة الغرب للقضية الفلسطينية، فهو ليس مجرد مبادرة لإعادة الإعمار، بل محاولة لإعادة صياغة هوية غزة السياسية والأمنية، بما ينسجم مع مصالح إسرائيل والولايات المتحدة. وبينما يرى البعض في هذا المشروع، مخرجًا من الأزمة الحالية، يراه آخرون إعادة إنتاج للاحتلال تحت غطاء دولي، ومقدمة لتصفية القضية الفلسطينية على المدى البعيد.

وتبقى غزة في قلب معادلة معقدة، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى مع تطلعات شعب يسعى للحرية والاستقلال، وأي مشروع يتجاهل هذا البعد الجوهري لن يجد سوى مزيد من المقاومة والتحدي.

تابع مواقعنا