انتخابات الأطباء على موعد مع الانقسام
تُعدّ الانتخابات النقابية فرصة طبيعية لتجديد الدماء وضخ طاقات جديدة داخل المؤسسات المهنية، غير أن انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء هذا العام تكشف عن أزمة أعمق بكثير من مجرد تنافس انتخابي، فما يجري لا يعكس صورة بيت واحد يضم جميع الأطباء، بقدر ما يعكس حالة استقطاب وانحياز تهدد أسس العمل النقابي ذاته.
إعلان نقابة أطباء الشرقية دعمها العلني لأحد المرشحين عبر صفحتها الرسمية لم يكن مجرد هفوة عابرة، بل خرقًا صريحًا لمبدأ الحياد المفترض في أي نقابة مهنية، وهو ما وصفه رئيس اللجنة العامة للانتخابات بأنها الأولى من نوعها في تاريخ انتخابات النقابة، والأخطر أن نقيب الشرقية، الذي يتولى في الوقت ذاته رئاسة اللجنة الانتخابية بالمحافظة، أعلن هو الآخر انحيازه لمرشح بعينه، قبل أن يضطر مؤخرًا التنحي تحت ضغط الاعتراضات، وهو ما يثير تساؤلًا أعمق، هل يؤمن بعض القائمين على العملية الانتخابية فعلًا بقيمة الحياد، أم أن القناعات والانتماءات المسبقة هي التي تفرض كلمتها؟
الإشكالية الكبرى لا تكمن في لحظة التصويت، بل في ما بعدها، فإذا فاز مرشح لم يحظَ بدعم المجالس الحالية، فهل سيُفتح الباب أمام التعاون والعمل المشترك، أم ستبقى النقابة أسيرة تحفز متبادل وحسابات انتخابية ضيقة؟ هل ستُدار النقابة بروح المصلحة العامة، أم بعقلية "المعارك القديمة" التي لا تنتهي؟
الواقع أن ما يحدث اليوم يضع النقابة أمام اختبار حقيقي، هل هي مؤسسة لخدمة جميع الأطباء والدفاع عن حقوقهم، أم أنها ساحة صراع نفوذ تُدار بمنطق المكاسب والخسائر؟ إن تآكل الحياد النقابي، إذا استمر، لا يهدد نزاهة الانتخابات فقط، بل ينسف الثقة في النقابة كبيت جامع ومحايد لأعضائها.
إن الانتخابات ستنتهي، وسيُعلن فائز وخاسر، لكن ما سيبقى أهم من كل ذلك هو اليوم التالي، كيف سيتعامل الفائز مع معارضيه؟ وكيف سيتعامل المجلس الحالي مع من لم يكن مرشحهم المفضل؟ هنا تتحدد جدية النقابة وقدرتها على تجاوز الاستقطاب، لأن النقابة ليست ساحة خصومة، بل بيت لكل الأطباء، وكيان لا يكتسب شرعيته إلا من حياده واحتضانه لجميع أعضائه بلا استثناء.


