على جبهة الخطر.. نساء يواجهن الرصاص بكلمة وعدسة
في ميدان الحرب لا يختلف صوت القصف عن صوت الحقيقة، كلاهما يزلزلان الأرض جللًا لقسوتهما في عالم فضل الصمت وسط دمار شامل وإبادة جماعية، لاتزال مستمرة لـ عامين.
لم يكن الدرع والخوذة للرجال فقط، بل ارتدتهن السيدات الصحفيات اللاتي قررن حمل كاميراتهن بلا مأوى، صممن على كتابة الخبر وهن يخبئن من شظايا القصف المستمر، عامان من الدمار أظهرت خلاله القوة الناعمة وجهها الصلب الصارم خلف عدسة ثابتة رغم الهلاك الدائر، محمولة بقلوب تقاوم الخوف وتوثق لحظات قد تكون الأخيرة.
في هذا التحقيق يوثق القاهرة 24، كيف تحولت الكاميرا إلى درع، و"الميكروفون" إلى صرخة ضد النسيان، في رحلة صحفية من غزة وحتى لبنان حيث أراضي العدوان الإسرائيلي.
صوت الحقيقة يصرخ بين الركام
في قطاع غزة وبين ركام المنازل المقصوفة ودماء الشهداء، تقف نور السويركي الصحفية الفلسطينية التي تعمل بقناة الشرق السعودية بقطاع غزة، مرتدية السترة والخوذة ممسكة الميكروفون الخاص بوجهة عملها تنقل الحقيقة تحت النيران وأصوات الصواريخ.
تقول السويركي لـ القاهرة 24: معي درجة الماجستير في الصحافة، ودي أول تجربة لي كمراسلة تليفزيونية في هذه الحرب.
الحرب الحالية هي الأولى لـ نور السويركي في تغطيتها، ولكنها لم تتوقعها في حجم الدمار والمدى الزمني وأعداد الضحايا، مؤكدة أنها الحرب الأصعب في تاريخ فلسطين.
النظام اليومي كصحفية بقطاع غزة، بنام ونصحى وندور على الأخبار للتغطية.. ده غير أعباء الحياة اليومية بندور على أكل وشرب لليوم، السويركي تروي تفاصيل يومها المعتاد وسط الحرب.
لدى السويركي أطفال رحلوا مع عائلتها إلى القاهرة وتستمر بالعمل بقطاع غزة مع زوجها الذي يعمل صحفيًا أيضًا، لكنهما لم يفكرا في العزوف عن العمل الصحفي حتى في أصعب الأوقات.
تختتم السويركي حديثها قائلة: الخوذة والسترة أرتديهما لتعريف الجميع بعملي صحفية.. ليستا للحماية.. وأمنيتي الوحيدة أن تنتهي الحرب وأعلن خبر انتهائها، وألتقي بعائلتي وأعٌمر منزلي من جديد.
الخوذة والسترة تفشلان في مهمتهما
ومن غزة وإلى جنوب لبنان، نلتقي دارين الحلو الصحفية التي تشغل منصب مدير مكتب سكاي نيوز ببيروت، والتي تعمل بالصحافة المكتوبة منذ 2003، لذا لم تكن الحرب الحالية هي الأولى في تغطيتها.
توضح دارين لـ القاهرة24: تغطية الحرب صعبة كتير خصوصًا لو كانت بلدك هي موقع الحرب، لم أتوقع أن الحرب تصل إلى هذا الحد من الدمار، فالقرى على حدود لبنان دمرت بالكامل.
الأحداث هي التي تحكم موقع التغطية اليومي، سواء كنا ببيروت أو على الحدود، لكن الوضع بلبنان غير مستقر نهائي، دارين تكشف تفاصيل تغطيتها اليومية خلال الحرب.
تعيش دارين رفقة أبنائها حاليًا، لكن أحيانًا تبتعد عنهم بحسب مكان تغطيتها، منوهة: أهلي وعائلتي بيطلبوا مني كتير أبعد عن الأماكن الخطيرة لكن الأحداث بتحكم نكون أمام النيران، فأنا مسئوليتي هي نقل الأخبار.
وعن الخوذة والسترة فهما بالمبدأ للحماية لكن تجربتنا أكدت أنهما غير قادرتين على حمايتنا، فالحرب الحالية ما فيها شيء يحمينا، دارين تكشف مهمة الخوذة والسترة بالنسبة لها.
واستطردت: أصعب المواقف لما استهدفونا في حاصبيا.. اللحظة اللي نجيت فيها عدى عليَّ شريط حياتي وفكرت في أهلي وأطفالي.
آخر إحصائيات شهداء الصحافة بحرب غزة
وبحسب رصد لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، استشهدت منذ بدء الاعتداء في 7 أكتوبر 2023 وحتى أوائل سبتمبر 2025، 31 صحفية فلسطينية، وكذلك 252 صحفيا، وفقًا لجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وكان جميع الصحفيين الذين راحوا ضحية النيران الإسرائيلية، يرتدون الخوذة والسترة المٌقاومة للرصاص.
ومن لبنان إلى غزة مجددًا، لتروي نور أبو ركبة الصحفية بالقطاع، معاناتها خلال التغطية الأخطر في تاريخ فلسطين.
تقول نور لـ القاهرة 24: أنا بشتغل في الصحافة منذ 4 سنوات، حاليًا أعمل في الجزيرة، والحرب الحالية الأولى لي في التغطية الصحفية.
تروي أبو ركبة تفاصيل يومها خلال التغطية، فتوضح: الصبح بشوف إيه الأحداث، وبعدين جدول بث مباشر.. بعد ما بخلص بدور على مكان أبات فيه لأن ما عندي مكان لأن أهلي نزحوا على الجنوب وأنا في الشمال.
نور أبو ركبة: أنا صوت الناس
أصعب المشاهد التي مرت على نور خلال تغطيتها استشهاد أشقائها معًا، وبالرغم من المصاعب التي تواجهها، إلا أنها لم تترك الصحافة، معقبة: أنا صوت الناس.
ونتجه إلى لبنان حيث رولا بحسون الصحفية والمراسلة بقناة الغد، والتي تعمل بالصحافة منذ 15 عامًا.
تقول رولا: عملت بالصحافة منذ صغر سني ومارستها مع كبار المهنة، ثم عملت في الراديو والتليفزيون وحتى الصحافة المكتوبة.
غطت رولا حروبا سابقة كالحرب في سوريا عام 2013، فليست الحرب الحالية الأولى في تغطيتها بل الأشرس، وتعقب: توقعت الحرب على لبنان، فهي ليست المرة الأولى التي يعتدي فيها الجيش الإسرائيلي على سيادة لبنان.
نحن نعيش كل يوم بيومه نتابع الأخبار كل لحظة بلحظة، الليل تحول إلى نهار لدينا كصحفيين ميدانيين، رولا تروي معانتها كصحفية حروب.
صوتي وقلمي هما سلاحي
فلم تفكر في العزوف عن العمل الصحفي، فتقول: أنا أعمل كالجندي الذي يخدم وطنه، صوتي وقلمي هما سلاحي لنشر الحقيقة، فالسترة والخوذة إشارة لعملنا لصحفي وليستا لحمايتنا.
تغطية أحداث الحرب تزيد من أعراض الاضطرابات النفسية، أبرزها اضطراب القلق العام، وربما تؤدي إلى الاكتئاب وتقلب المزاج، وفق الدكتور مهاب مجاهد، استشاري الطب النفسي، الذي يرى أنه بعد تغطية الأحداث يصاب الشخص بكرب ما بعد الصدمة، حتى لو لم يكن هو من عاش الصدمة، لكنه عاشها بقلبه وروحه وتأثر بالحادث مثل صاحبه.
مخاطر نفسية
ويقول لـ القاهرة 24: إنه لا يمكن الجزم بفرق التأثيرات النفسية بين الرجال والنساء، ولكن السيدات وخاصة النساء أكثر تعبيرًا عن حالتهن المزاجية، بالإضافة إلى الأمهات فهن أكثر تأثرًا نظرًا لأمومتهن التي تجعلهن أكثر عرضة لاضطراب القلق والمزاج.
نعود مجددًا إلى قطاع غزة حيث أسيل مطر الصحفية الفلسطينية، والتي تعمل بالصحافة منذ سنوات، وكرست جهدها لنقل الحقيقة إلى الإنسان.
ليست الحرب الأولى لـ أسيل في تغطيتها الصحفية، ولكنها الأكثر دمارًا، أسيل تكشف تفاصيل تغطيتها الصحفية لـ القاهرة 24.
أسيل مطر: لا وقت للراحة.. للتوثيق والنجاة
تقول أسيل: لم نتوقع أن تصل الحرب إلى هذا الحجم من الإبادة والدمار، فكل لحظة تحمل خطرًا، أتنقل بين أماكن القصف والنزوح، أتابع الأخبار، أوثق بالكاميرا، أكتب.. وأحيانًا أضطر للإخلاء أو الاختباء، فلا وقت للراحة فقط التوثيق والنجاة.
تضيف أسيل: في كثير من الأحيان أٌجبر على مفارقة أسرتي بسبب النزوح، فنحن نازحون حاليًا في جنوب غزة، بعد أن اضطررنا لترك منزلنا في الشمال.
لم تفكر أسيل بترك الصحافة، فهي ترى أن الواجب أقوى، منوهة: نحن لا نحمل الكاميرا فقط، بل نحمل وجع شعب كامل، فالخوذة والسترة هما درعي في الميدان، ليس لإنقاذي بل تمنحانني شعورًا بالمسؤولية.
أمنيتي الوحيدة رؤية غزة حرة، وأكتب عن الحياة لا عن الموت.. تختتم أسيل حديثها.
فقر دم وانقطاع للدورة الشهرية
الحرب الحالية تؤثر على النساء والحوامل بشكل أكبر من غيرهن.. هكذا يرى الدكتور حاتم محمد استشاري أمراض النساء والتوليد والحقن المجهري، والذي يوضح: هناك سوء تغذية نتيجة المجاعة الشديدة في غزة، مما يصيب الحامل بفقر في الدم، والأم المرضعة لن تتمكن من إرضاع صغيرها لندرة اللبن في ثدييها الناتج عن سوء التغذية.
وبحسب استشاري أمراض النساء، فإن التوتر الزائد خلال تغطية الحرب يؤدي إلى تأخر الدورة الشهرية لدى الفتيات والنساء، فقد يتحول الأمر إلى انقطاعها لفترة نظرًا لعدم التغذية الصحيحة مع الإصابة بفقر دم شديد وأمراض مناعية أخرى، كما أن الخطر على الأم المرضعة أكبر، حيث يصيبها التوتر الزائد باختلال هرموني ومن ثم ندرة اللبن.
وبعد مرور عامين من هذا الكم من الدمار والهلاك، لا تزال غزة تصرخ رافضة محو تاريخها ومعاناتها في الحفاظ على أرضها، إلى جانب لبنان الذي يعاني من كيان محتل أشبه بجرح لايزال ينزف، وسط صمت دولي غير مبرر أومعروفة نهايته.
