وداعًا المئذنة العتيقة.. قرية الصوفية بالشرقية تودع رمزها الأثير في طريق إعادة البناء
في قلب قرية الصوفية بمركز أولاد صقر بمحافظة الشرقية، خيّم شعور ثقيل على وجوه الأهالي صباح أمس الأحد، حين بدأت المعدات في هدم مئذنة مسجد العزازي بالصوفية، التي ظلت شامخة لأكثر من نصف قرن، تلوح في سماء القرية كعلامة على الإيمان والطمأنينة والانتماء.
وداعا المئذنة العتيقة.. قرية الصوفية تودع رمزها الأثير في طريق إعادة البناء
لم يكن المشهد عابرًا؛ فمع أول ضربة في جدار المئذنة، تهاوت أمام الأعين ذكريات الطفولة وصوت الأذان الذي كان يملأ أركان القرية منذ طلوع الفجر حتى غروب الشمس، كانت المئذنة بالنسبة لأبناء الصوفية أكثر من بناءٍ مرتفع، بل كانت رمزًا للدفء والهوية، ودليل الطريق للعائدين من الحقول في الليالي المظلمة.
الهدم جاء بعد تقارير هندسية أكدت أن المسجد آيل للسقوط، وأن إعادة بنائه أصبحت ضرورة لحماية المصلين وحفظ الأرواح، قرارا لم يكن سهلًا، لكنه كان لا بدّ منه، حتى وإن حمل في طياته وجعًا يشبه فقدان أحد معالم الذاكرة الجماعية للقرية.
اليوم، بينما تتناثر الحجارة القديمة حول موقع المسجد، تتشابك مشاعر الحزن والفخر بين الأهالي، حزنا على المئذنة التي سقطت بعدما صمدت لسنوات طويلة، وفخر لأنها ستُبعث من جديد، أكثر أمانًا وجمالًا، لتكمل رسالتها في جمع الناس على كلمة واحدة وصوت أذان واحد.
لكن وسط مشاعر الحزن، انبثق الأمل، فسرعان ما توحّد أهالي الصوفية من جديد، وجمعوا تبرعات من أبنائهم داخل القرية وخارجها لإعادة بناء المسجد، ليكون أجدد وأجمل مما كان، جهد شعبي خالص يعكس عمق الانتماء وروح التعاون التي تميّز أهل الريف المصري.
فالمئذنة الجديدة، حين تُرفع من جديد، ستحمل في أركانها ذكريات الآباء وحنين الأبناء، لتظلّ قرية الصوفية كما كانت دائمًا: نابضة بالإيمان، تحفظ الماضي وتبني المستقبل.
وفي عيون الكبار والصغار، يتجلّى الفارق بين الماضي والمستقبل: المسجد سيتجدد، لكن الروح التي عمرته منذ البداية باقية، تُعيد بناءه بالحب والذكريات واليقين بأن ما يُهدم بالضرورة ليُعاد، يُعاد دائمًا أجمل.
