بطل نفق الحرية.. الأسير المُحرر أيهم كممجي يروي كواليس 20 عامًا قضاها في سجون إسرائيل
ذاق أحد الأسرى الفلسطينيين طعم الحرية التي كان ثمنها عشرون عامًا قضاها بين سجون الاحتلال، تخللها محطات قاسية من التعذيب والتدمير النفسي، ومحطات أخرى من محاولات متكررة للهروب، نجحت إحداها في عام 2021 بالهروب من سجن جلبوع، إلا أن حالة الاستنفار الأمني الإسرائيلي جعلتهم يتتبعونه بأحدث أجهزة التتبع المدعومة بالأقمار الصناعية «عين الذئب» حتى لاحقوه وأعادوه إلى السجن لتبدأ بعد هذه المحطة مرحلة أقسى من التعذيب.
الأسير أيهم كممجي هو واحد من أبطال المقاومة الفلسطينية، قضى نصف عمره داخل سجون الاحتلال فأكمل قرابة 20 عامًا داخلها، وفي هذا اللقاء الذي تطرق فيه للحديث عن تفاصيل دقيقة لعملية نفق الحرية، مرورا بكواليس القبض عليه هو ورفاقه وما عانوه بعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023.

في البداية حدثنا عن نفسك وكيف تم اعتقالك؟
أنا أيهم كممجى، عمري 39 عامًا، من بلدة كفردان فى جنين بالضفة الغربية، منذ طفولتي لم أرى حولي إلا محاصرة الاحتلال لكل شيء، لطفولتنا وبلدتنا وأرضنا، فكبرت بداخلي المقاومة كفكرة بدأت تدخل حيز التنفيذ كلما زاد عمري، مثلي مثل جميع من حولي.
قوات الاحتلال لا تقاتل جنديًا لجندي، ولا رجلًا لرجل، ولكن الأساليب الخسيسة هي السمة الأساسية، وهو ما فعلوه معي قبل اعتقالي، حيث تم تهديدي بقصف منزل أهلي، رغم أنني كنت أشارك في المقاومة بعيدًا عنهم، وبالفعل، بعد إتمام العشرين عامًا من عمري، تم اعتقالي في عام 2006، وحُكم عليّ بمؤبدين، وتمت إضافة 5 سنوات بعد واقعة الهروب من سجن جلبوع.
كيف قضيت فترة شبابك في السجن.. وكيف تعلمت وتحولت لمفكر وشاعر وأديب؟
لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يجعلنا عبيدًا، ومحاولات إذلالنا لجعلنا مقهورين عبيد لن تفلح مع شعبنا المناضل الصامد، ولا مع الأسرى الأحرار رغم التقييد، كنا نتعلم من بعضنا البعض، ونقرأ الكتب التي نستطيع الحصول عليها، وبدأت مقاومة مشاعري السلبية بالكتابة.
ما أصعب لحظة مرت عليك خلال اعتقالك؟
اللحظة الأصعب كانت عندما تلقيت خبر وفاة والدتي، وعندما اجتمع قادة الأسرى لإبلاغي بعدها بكيتها بكاء الطفل الصغير، وكتبت فيها قصيدة «رثاء من قلبي».
حدثنا عن تجاربك مع الهروب من عدة سجون قبل نجاح العملية في سجن جلبوع؟
الهروب فكرة تراود كل سجين من اليوم الأول له، فالعصفور إن وضعتوه داخل القفص يفكر في كيفيه الهروب، فما بالك بالإنسان الحر.
وتجربة الهروب من سجن جلبوع لم تكن الأولى، فقد سبقها عدة محاولات في سجن أريجا وسجن شطة، وعند مشاركة محمود العارضة لي بتكرار المحاولة في سجن جلبوع قلت له: أنا معك.
وكيف نفذتم عملية نفق الحرية وخرجتم من السجن الأكثر تحصينًا في إسرائيل؟
الحقيقة أن إرادة الله كانت معنا في كل لحظة، خططنا بشكل دقيق وبدأنا الحفر بأدوات بدائية، والجزء الذي لم يأخذ حقه في الإعلام هم الجنود المجهولين الذين ساعدونا في الهروب ولم يخرجوا معنا، أرادوا فقط مساعدتنا، والآن يسعني الإعلان عن اثنين منهم لأنهم ارتقوا بالشهادة بعد طوفان الأقصى، هؤلاء لم يشغلهم شيء سوى حريتنا وأمضوا مدتهم وخرجوا واستكملوا طريق المقاومة.
البطل الأول هو الشهيد أحمد أبو جزر الذي استشهد في 20 أكتوبر 2023 بعد الحرب على غزة، والثاني هو نعيم الزبيدي وهو ابن عم زكريا الزبيدي الذي خرج معنا.
وما هي كواليس لحظة الهروب وكيف اخفيتم فتحة النفق؟
عملية نفق الحرية كان مخططًا لها بكل تفاصيلها من الألف إلى الياء، والخروج من المنطقة كان مخطط له جيدًا، ولكن ما حدث ما لم نكن نتوقعه، حيث وقع تفتيش مفاجئ على السجن، وستر الله ساعدنا، حيث أن لجنة التفتيش دخلت الغرفة 4 المجاورة لغرفة 5 محل الحفر، ولم يدخلوا هذه الغرفة، ولهذا قررنا الخروج في هذا اليوم، رغم أننا كنا نخطط للخروج لاحقا في ذكرى عيد الغفران والذي يرتبط لدى إسرائيل بذكرى حرب 6 أكتوبر وشن الحرب المصرية عليهم في هذا العيد، فكنا نريد أن نلقنهم النكبة مرتين.
وغيرنا الخطة بشكل مفاجئ لأننا خشينا افتضاح أمرنا لو استمر التفتيش، فخرجنا من نقطة أسهل من التي كنا نخطط لها، وقلنا: إحنا نتعشى بيهم الليلة قبل أن يفطروا علينا الصبح.
واللحظة الصعبة كانت كيفية انتقالي من زنزانتي إلى الزنزانة 5 مكان النفق، ولأن العين كانت عليّ بشكل مركز لوجود سابقة في هروبي، فقد كلفت أحد الأسرى بالدخول إلى غرفتي ودخول الحمام لإيهامهم أنني موجود في الغرفة، واستبدلنا الغرف، وعند مرور السجان لعد الموجودين كنا قد بدلنا أماكننا، وبهذا تمت عملية الهروب الأولى.
حدثنا عن اللحظة الأصعب في عملية نفق الحرية؟
اللحظة الأصعب في العملية هي بعد خروج أول شخص من الحفرة الأسير مناضل نفيعات، حيث فتح أعلى النفق وخرج، وخرج بعده محمد العارضة وبعده يعقوب قادري وبعده زكريا زبيدي.. وفجأة وبعد دخولي النفق فوجئت أن زكريا انحشر جسده على بعد مسافة معينة ولم يستطيع الخروج، فتم حبسي داخل النفق لا استطيع المرور للأمام ولا العودة للوراء، وفي هذه اللحظة استشهدت وأبلغت وصيتي، وقلت لزكريا: إن مُت لا تلوم نفسك أنك السبب، العدو هو السبب، وهنا جاء إلينا الملاك الذي أنقذنا وهو مناضل نفيعات، حيث عاد لنقطة الخروج مجددا، وسحب زكريا، ثم سحبني، وهنا كنت قاربت على فقدان الوعي لولا أنني تنفست الصعداء بالهواء النقي.
وكيف تم القبض عليكم بعد اكتشاف العملية؟
محمود العارضة ويعقوب تم القبض عليهما بسيارة شرطة لاحقتهما، ومحمد وزكريا أمسكت بهما طائرة تتبع إسرائيلية.
أما أنا ومناضل، فقد تم القبض علينا بجهاز جديد لدى الأمن الاستخباراتي بالتعاون مع الموساد، يُعرف بجهاز «عيون الذئب»، عرفت فيما بعد أنه جهاز مرتبط ببصمة الصوت والعين والإصبع، وطبعا جميعنا كأسرى بيانات هذه البصمات والـ DNA مسجلة لدى إسرائيل، فعندما تحدثت تم ربط بصمة صوتي لهذا الجهاز وعلموا مكان وجودي وتم مطاردتي.
ولم استوعب في البداية كيف تم محاصرتي بعد ساعة، ولكن المحقق أخبرني بأمر الجهاز وقال لي: أنت دخلت التاريخ لأنك أول شخص نختبر جهاز «عيون الذئب» فيه.
وكيف كان شكل التعامل معكم بعد القبض عليكم؟
بعد القبض علينا عانينا من العذاب والمعاملة القاسية للغاية، فما بالك أننا أظهرنا أمام العالم فشل السجن أمنيا رغم أنه أكبر حصونهم، فتعاملوا معنا بجبروت وفشوا غضبهم فينا، لكنني كنت على يقين أنني سأخرج يومًا ما، ثقتي في المقاومة كانت عمياء، وعند محاكمتي بعدها قلت أمام الجلادين: سأخرج من فوق الأرض، ستفتحون لي باب السجن بأيديكم، وسأقهركم مثلما قهرتكم وخرجت من تحت الأرض.
وعندما علمت بخروجك في الصفقة الأخيرة.. كيف استقبلت الخبر؟
آخر يومين قبل إتمام الصفقة كانت أشدها عذابًا، لدرجة أنه لحظة خروجنا سألت السجان: على وين؟، رد عليّ: على الإعدام، ومن قسوة تعاملهم صدقت كلماته.
وما شعورك بعد خروجك من الأسر؟
بعد خروجي من الأسر ودخول الفرحة قلبي، سرعان ما تلاشت هذه الفرحة بعد أن علمت بحجم الدمار الذي حل بغزة وأرضها والدماء التي قدمت من شهدائها.. لا أحد يتخيل أن حقارة العدو وصلت لترك الشعب يموت جوعا والأطفال يموتون عطشا.
صف لنا شعورك بعد وصولك إلى مصر؟.. وكيف ترى الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار؟
في رأيي الشخصي هناك قرارات تم أخذها من الحكومة المصرية مثل رفض التهجير قطعت على إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية، لأنه بقراءتي المتواضعة للمشهد وقتها كانت إسرائيل ستخرج من تخرجه، ثم تضرب غزة بالنووي بدعوى قتل الإرهابيين في الأنفاق، وهذا المخطط أفشلته مصر.
وصحيح أن أهل غزة من المدنيين دفعوا ثمن هذا غالٍ من أرواحهم، لكن الشعب الذي يحصي ضحاياه لا ينتصر، وشعب غزة يعي هذا جيدا ويرفضون التهجير حتى إن كان على حساب أرواحهم.
أما بعد وصول مصر، فالجنود المصريون بمجرد وصولنا ضربوا لنا التحية واحتضنونا وبكوا، منذ دخولنا لاقينا ترحاب ودعم ومساندة فاقت توقعاتنا، وحقيقي أشعر أنني في وطني الثاني وبين أهلي.



