دعاء التحريج في الرقية الشرعية.. معناه وحكم إنذار الجن به قبل قتله
يعد دعاء التحريج، أحد الأدعية التي تثير الجدل فيما يخص الرقية الشرعية، حيث يرى البعض أنه ضروري قبل علاج المريض بالسحر أو المس الشيطاني بالآيات القرآنية، كوسيلة تحايل على الجني ليخرج من جسد المريض قبل حرقه بالقرآن. ويرى فريق آخر أن دعاء التحريج ليس شرطًا للرقية الشرعية ويخص فقط الثعابين وكل ما يُشك في تجسد الجن له في المنزل. وعبر القاهرة 24 نتعرف على ما هو دعاء التحريج واستخداماته وما ورد عنه في السنة النبوية، وآراء العلماء حول صيغته.
دعاء التحريج
ينتشر دعاء التحريج قبل البدء بالرقية الشرعية، على أنه وسيلة لطرد الجان كإنذار له قبل إحراقه بالرقية، ويروج متبعي هذه الطريقة إلى خطوات يجب التزامها لنجاح العلاج من السحر أو الحسد.

يبدأ العلاج بجلسة بين الراقي والمريض، حيث يقول الراقي دعاء التحريج وصيغته "دخلت على جسدي بـ لا إله إلا الله، أناشد كل من سكن في جسدي من الشياطين من السحر والحسد والعين، ترك جسدي طاعةً لله ولرسوله لا تؤذوني ولا اؤذيكم"، وذلك قبل الرقية بنحو ساعتين مع السكوت عن الكلام بعد مناشدة الأذى الموجود.
فإن لم يخرج الجني أو يُشفى المريض من السحر أو الحسد، فيبدأ الراقي الرقية الشرعية، ويكون الهدف من دعاء التحريج بهذه الطريقة كما يقول البعض، هو عدم تعرض المريض للأذى أو الألم أثناء الرقية وإتمامها بدون مشاكل.
وفي حالة تعرض المريض لأذى أو تعب بعد التحريج أثناء الرقية، يتوقف الراقي عن العلاج لمدة يوم كامل، بعدها يعيد نفس الخطوات في اليوم التالي حتى الشفاء.
لذلك، فالمنتشر عن دعاء التحريج هو مخاطبة الأذى المصاب به المريض وإنذاره ليخرج ويبتعد عن المريض فيُشفى، فما حقيقة هذا الدعاء وحكمه وما استخداماته التي وردت في السنة النبوية؟.

هل دعاء التحريج صحيح؟
قال الشيخ سعد الخثلان، الداعية السعودي، إن التحريج ورد في السنة النبوية بخصوص الثعابين والحيّات التي توجد في المنازل، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتحريج عليها قبل قتلها.
وحول كيفية التحريج قال: عندما يجد الإنسان حيّة في منزله، لا يقتلها مباشرة، بل يحرّج عليها ثلاث مرات قائلًا: "أحرّج عليك بالله إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج من هذا المكان وإلا قتلتك" أو عبارات مشابهة، ويكرر ذلك ثلاث مرات.
وأوضح أنه بعد دعاء التحريج فإنه إذا كانت الحية من الجن المتلبس، فستخرج بإذن الله، وإن لم تخرج، يحق له حينئذ قتلها.
وخلص الشيخ سعد الخثلان إلى أن دعاء التحريج خاص بحيّات البيوت فقط، ولا علاقة له بالرقية الشرعية، وإنما بالنسبة للرقية الشرعية، فلا بأس بالقراءة في الماء ورشه في المنزل لبركة القرآن الكريم، لكن ربط ذلك بالتحريج ليس له أصل شرعي.
وشدد على أن الحديث النبوي ورد في الحيّات خصوصًا، لكن الراجح هو العموم، لأن الجن قد يتلبس بالحشرات والحيوانات الأخرى.
وسرد الشيخ قصة رجل قتلت ابنته حشرة وقت الغروب، فأصابها اختلال شديد ورعب وصراخ حتى توفيت قبيل الفجر، مؤكدًا أن هذا يدل على احتمال تلبس الجن ببعض المخلوقات، لذلك يُستحب التسمية والتحريج قبل قتل أي حشرة أو حيوان قد يُشتبه بتلبس الجن به ولا يُلجأ للقتل إلا عند تعذّر دفع الأذى بطريقة أخرى.

دعاء التحريج للمنزل
وحول حكم دعاء التحريج للمنزل، قال الإمام ابن باز رحمه الله، أنه ليس عليه دليل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو أخصر من هذا قال: يقول الإنسان إذا دخل بيتًا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
واستند إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك"، فإذا أحس بشيء فليقل هذا ويكرر وهكذا: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ويكثر من قراءة القرآن، ويكفي هذا والحمد لله، هذا هو الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام وعلمه أمته.
وتابع ابن باز: إذا جرب شيء من ملح يُرشُّ به البيت، أو شيء ينفع؛ فلا حرج إنْ جرب شيء ينفع يؤذيهم ويخرجهم ولا محذور فيه فلا بأس؛ لكن الأصل هو ما بيَّن النبي ﷺ وأرشد إليه.

دعاء التحريج على الجن
وعلى موقع الإسلام سؤال وجواب، جاء عن الشيخ محمد صالح المنجد أنه قال "لا حرج في التحريج على الجني الماس للإنسي، بوعظه، وأمره ونهيه، وإنذاره أنه إن لم يخرج ضُرب وقرئ عليه؛ ولو أدى ذلك إلى قتله".
ووأوضح في فتوى رسمية على الموقع: ذلك أن الأصل جواز الوعظ والإنذار، وجواز إخراج الجني من الإنسي ولو أدى إلى قتله، إذا لم يندفع صياله على المسلم وأذاه له إلا بذلك.
وأرجع إمكانية استخدام دعا التحريج إلى أن الرقية ليست توقيفية، فيجوز استعمال الأساليب المباحة المجربة؛ لما روى مسلم عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: " كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ".
ويستدل أيضًا على جواز استخدام دعاء التحريج على الجن والعوامر، وإنذارهم أن يدعوا صيالهم وأذاهم؛ بما روى مسلم عن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلاَثًا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلاَّ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ".
وقال النووي رحمه الله: "وأما صفة الإنذار: فقال القاضي روى ابن حبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود أن لا تؤذونا، ولاتظهرن لنا. وقال مالك: يكفي أن يقول أُحَرِّج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدو لنا، ولا تؤذينا.
وجاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والمقصود: أن الجن إذا اعتدوا على الإنس، أُخْبِروا بحكم الله ورسوله، وأقيمت عليهم الحجة، وأُمروا بالمعروف، ونُهوا عن المنكر، كما يُفعل بالإنس؛ لأن الله يقول: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، وقال تعالى: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا.






