السيناريوهات المحتملة لمشروع قرار في الكونجرس يدعو إلى الاعتراف بارتكاب إبادة جماعية في غزة
يشهد الكونجرس الأمريكي، نقاشًا متصاعدًا بعد تقدّم أكثر من 21 نائبا بمشروع القرار رقم 876، الذي يطالب الولايات المتحدة بالاعتراف بأن ما يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة يشكّل جريمة إبادة جماعية تتحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤوليتها.
الإبادة الجماعية في غزة
ويستند المشروع إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، داعيًا الإدارة الأمريكية إلى الالتزام بواجباتها القانونية، بما في ذلك وقف أي دعم عسكري قد يسهم في الانتهاكات، ودعم التحقيقات الدولية، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
ورغم أن القرار غير ملزم قانونيًا، فإنه يعكس تحوّلًا سياسيا واضحا داخل الكونجرس، ويعيد طرح السياسة الأمريكية تجاه غزة، في وقت يبحث فيه المراقبون عن المسار المتوقع لهذا التحرك غير المسبوق.
إمكانات تنفيذ القرار تبدو محكومة بعدة عوامل، أبرزها أن القرار ذو طبيعة رمزية لا تحمل قوة إلزامية، فتنفيذه يعتمد كليًا على إرادة الإدارة الأمريكية. ومع وجود علاقة استراتيجية راسخة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يبدو من غير المتوقع أن تتخذ واشنطن خطوات تنفيذية واسعة بناء على القرار، إلا في إطار ضغوط سياسية متراكمة أو تغيّرات داخلية أعمق.
كما يظل القضاء الأمريكي بعيدًا عن التدخل في ملفات السياسة الخارجية، وهو ما يحدّ من تحويل القرار إلى أداة قانونية، وهذا يجعل أثره المباشر محدودا، لكنه لا يلغي قدرته على تحريك المياه الراكدة في الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان والمساءلة الدولية.
ورغم القيود القانونية، يمكن للقرار أن يترك آثارًا ملموسة على عدة مستويات.
داخليًا، يسهم في تعميق الجدل حول الدعم الأمريكي لإسرائيل، ويقوي الأصوات التي تطالب بمراجعة السياسات العسكرية والإنسانية.
دوليًا، يمنح زخما إضافيا للجهود التي تصف ما يحدث في غزة بالإبادة الجماعية، ويزيد الضغط على واشنطن لتوضيح موقفها.
وتوتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، قد يؤدي إلى رقابة مشددة على المساعدات العسكرية، وربما يفتح الباب أمام توتر سياسي تدريجي.
إنسانيا، يعزز الدعوات لرفع مستوى الإغاثة وتمويل الأونروا وضمان الاستخدام القانوني للأسلحة الأمريكية.
هذه التأثيرات على تفاوتها تُعد جزءًا من المسار الواقعي المتوقع للقرار في ظل السيناريوهات المطروحة.
عند قراءة المشهد السياسي من خلال السيناريوهات الثلاثة المحتملة، تتضح مسارات متوازية يمكن أن يجتمع بعضها في الواقع.
التقدم الجزئي
من المحتمل أن يحقق القرار زخما إضافيا داخل الكونجرس، حيث يمكن أن تليه جلسات استماع أو ضغوط لفرض ضوابط على المساعدات، خاصة مع تزايد الانتقادات الداخلية.
هذا السيناريو لا يعني تغيرا جذريا، لكنه يفتح المجال لإجراءات تنفيذية محدودة، مثل دعم التحقيقات الدولية أو تعزيز المسار الإنساني.
التأثير الرمزي
وهو الأكثر ترجيحا في الظروف الحالية، في هذا المسار، يظل القرار محورا للنقاش العام دون أن ينتقل إلى مرحلة التصويت أو التطبيق. لكن تأثيره الرمزي ينعكس في لغة الخطاب السياسي وتزايد الرقابة الإعلامية والشعبية. هذا المسار قد يشكل خطوة تأسيسية لمسارات سياسية مستقبلية أكثر جرأة.
"التجميد"
وهو احتمال وارد، حيث يمكن أن يبقى المشروع محصورا في لجان الكونجرس دون حراك فعلي، خصوصًا في ظل موازين القوى الحالية، لكن حتى في هذا السيناريو، فإن مجرد طرح القرار على هذا النحو يساهم في تنشيط النقاش الإعلامي والسياسي حول ملف غزة.
واللافت أن هذه السيناريوهات ليست متنافرة؛ إذ يمكن أن تتعايش جزئيا، بحيث يتحقق تأثير رمزي واسع بالتوازي مع خطوات سياسية محدودة، دون وصول القرار إلى مرحلة الإقرار الكامل أو التطبيق.
ويمثل مشروع القرار رقم 876 خطوة سياسية بارزة داخل الكونجرس، تكسر نمط الصمت التقليدي تجاه ملف غزة، وتطرح سؤالًا جوهريا حول مسؤولية الولايات المتحدة الدولية والأخلاقية.
ورغم محدودية أثره التنفيذي المباشر، فإن أهميته تكمن في كونه أداة ضغط سياسي وإعلامي تعزز التحولات الجارية في الخطاب الأمريكي.
وفي ضوء السيناريوهات المطروحة، يبدو المسار الأقرب هو بقاء القرار في إطار التأثير الرمزي العميق، مع إمكانية تقدم جزئي في بعض الجوانب، خصوصًا ما يتعلق بالمساءلة الدولية والضغط الإنساني.
أما التغيير الجذري في السياسات، فلا يزال مرهونا بتحولات أوسع من مجرد قرار غير ملزم، لكنه بلا شك يمهّد لها ويفتح الباب لمرحلة جديدة من النقاش داخل الولايات المتحدة.





