غزة بعد قرار مجلس الأمن.. قراءة تقديرية لمستقبل القطاع بين خطة ترامب ورفض حماس
يشكل قرار مجلس الأمن الداعم للخطة المرتبطة برؤية ترامب للمرحلة التالية في غزة لحظة مفصلية في مسار الصراع، إذ يمنح الترتيبات المطروحة غطاءً دوليًا قويًا، ويعيد توجيه النقاش نحو مستقبل القطاع وشكل إدارته.
غزة بعد قرار مجلس الأمن الدولي
وفي المقابل، جاء رفض حماس للصيغة الحالية ليكشف عمق الفجوة بين ما تريده الأطراف الدولية والإقليمية وما تعتبره الحركة مقبولًا أو ممكنًا.
وفي هذا السياق، تتجدد الأسئلة حول أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل من ترتيبات اليوم التالي، وقدرة حماس على المناورة وسط واقع إنساني متدهور وضغوط سياسية متصاعدة.
الأهداف الأمريكية والإسرائيلية من ترتيبات غزة
تسعى إسرائيل إلى إعادة صياغة الواقع داخل القطاع عبر إنهاء البنية العسكرية التي راكمتها حماس منذ سيطرتها على غزة، مع فرض منظومة رقابية تحول دون إعادة إنتاج حدث السابع من أكتوبر.
أما الولايات المتحدة، فتنظر إلى غزة ضمن مشروع سياسي إقليمي أوسع يقوم على ربط إعادة الإعمار بإعادة تشكيل منظومة الحكم، بما يتسق مع رؤية “اليوم التالي” التي تطرحها إدارة ترامب، ويحد من قدرة الحركة على التأثير في مستقبل القطاع.
أسباب رفض حماس للصيغة الحالية للخطة
ورغم إشارات إيجابية أولية قدمتها الحركة خلال مباحثات شرم الشيخ، فإن الصيغة التي وصلت إلى مجلس الأمن تتضمن -من وجهة نظرها- مطالب تتجاوز تلك التفاهمات وتمس مكانتها وشرعيتها بشكل مباشر. ويأتي ذلك في وقت فقدت فيه الحركة إحدى أهم أوراقها التفاوضية، وهو ملف الأسرى، ما جعلها أكثر هشاشة أمام الضغوط الدولية والإقليمية.
ومع أن حماس غير مستعدة للتنازل الذي تريده إسرائيل بشأن سحب قدراتها العسكرية، إلا أنها تبدو منفتحة، بدرجات متفاوتة، على تنازلات سياسية قد تشمل التخلي عن إدارة القطاع، شرط الحفاظ على وجودها كقوة مقاومة وعدم إقصائها من المشهد الفلسطيني.
ملامح الوضع الراهن: بين الرهان على الوقت وتضاؤل البدائل
تشير المعطيات الحالية إلى أن خيارات الحركة تتقلص مع مرور الوقت. فالحاضنة الشعبية التي دعمت المقاومة تتعرض اليوم لاستنزاف كبير بفعل الدمار واتساع الأزمة الإنسانية، ما يجعل استمرار المراهنة على عامل الوقت محفوفًا بالمخاطر.
وفي المقابل، تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل توظيف قرار مجلس الأمن لتسريع فرض ترتيبات سياسية جديدة تربط الإعمار بضبط الأمن ومنع عودة النموذج السابق للحكم.
الانقسام العربي
يسعى العرب إلى لعب دور أساسي في إعادة إعمار غزة وصياغة مخرج سياسي مستقر، لكن غياب توافق عربي حول موقع حماس ودورها يضعف القدرة على إنتاج مبادرة موحدة ذات أثر ضاغط. ورغم استمرار الحضور العربي، إلا أن تباين الرؤى يولّد مسارات متوازية تتباطأ أحيانًا أو تتعارض، بدل أن تتكامل في اتجاه واحد يساعد على بلورة حل قابل للحياة.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: تسوية انتقالية قابلة للتدرّج
يقوم هذا السيناريو على تشكيل إدارة مؤقتة تسمح ببدء الإعمار وضمان دخول المساعدات ضمن ترتيبات أمنية محددة. وقد تقبل حماس بدور غير إداري يضمن بقاءها كقوة مقاومة.
قوته: يخفف الأزمة الإنسانية بسرعة.
تحديه: هشاشته في غياب توافق سياسي واسع.
السيناريو الثاني: إعادة هيكلة عميقة للحكم
يتضمن إعادة تشكيل بنية الحكم عبر سلطة انتقالية أو إدارة جديدة بإشراف خارجي وضبط أمني صارم.
قوته: يمنح المجتمع الدولي نموذجًا أكثر استقرارًا.
تحديه: احتمال رفض فلسطيني واسع وافتقار للشرعية الشعبية.
السيناريو الثالث: استمرار المراوحة
يبقي غزة بلا تسوية سياسية وبلا انفراج إنساني كافٍ، ما يفاقم الضغوط على الحركة وعلى السكان.
ضعفه: تعمّق الانهيار الاجتماعي واحتمالات الاضطراب الداخلي.
سبب احتماله: تضارب الإرادات وغياب رؤية جامعة.
نقاط التحوّل: ما قد يغيّر المسار
عوامل تدفع نحو تسوية انتقالية
• بدء دخول المساعدات بوتيرة ثابتة.
• قبول فصائلي بصيغة إدارة مؤقتة.
• ضمانات دولية للترتيبات الأمنية.
عوامل تدفع نحو إعادة الهيكلة
• توافق دولي حول آلية أمنية بإشراف خارجي.
• بناء أجهزة أمنية محلية جديدة.
• بلورة رؤية عربية أكثر اتساقًا.
عوامل تدفع نحو المراوحة
• تفاقم الوضع الإنساني دون حل سياسي.
• استمرار التباين الإقليمي.
• تشبث حماس بشروط يصعب قبولها دوليًا.
تقدير شامل
يعيد قرار مجلس الأمن ترتيب موازين المشهد ويفتح الباب أمام احتمالات جديدة، لكنه لا يضمن طريقًا واضحًا نحو الحل. فالمعادلة اليوم تقوم على صراع إرادات بين مشروع دولي يريد إعادة صياغة غزة، وموقف حماس الذي يحاول الحفاظ على الحد الأدنى من شروط البقاء السياسي، وواقع عربي غير متوافق، وبيئة إنسانية ضاغطة.
وتبدو حماس مضطرة إلى إعادة تقييم خياراتها، والانفتاح على صيغ سياسية جديدة إذا كانت تضمن بدء الإعمار وعودة الحياة للسكان. فالمعادلة في غزة لم تعد عسكرية فقط، بل أصبحت سياسية وإنسانية بامتياز، والشعب الغزّي بات العامل الأكثر حساسية في تحديد مستقبل القطاع ودور الحركة خلال المرحلة المقبلة.





