شهادات تعيد فتح ملف السياح القنّاصة المشاركين في استهداف المدنيين خلال حرب البوسنة
أعادت صحيفة أفينيري الإيطالية تسليط الضوء على واحدة من أكثر الجرائم غموضًا ووحشية في حرب البوسنة، وذلك بعد ظهور معطيات جديدة تثير شبهات حول مشاركة أجانب بينهم إيطاليون كُثر في رحلات مدفوعة إلى سراييفو خلال التسعينيات بهدف إطلاق النار على المدنيين من مواقع القنص التي كانت تسيطر عليها الميليشيات الصربية.
ووفقًا للصحيفة، فقد قدّم الكاتب والصحفي إزيو غافاتسيني بلاغًا رسميًا إلى نيابة ميلانو بعد أن بدأ التحقيق في الظاهرة عقب مشاهدته الفيلم الوثائقي “Sarajevo Safari” الصادر عام 2022، والذي كشف عن رحلات كان يُسمح خلالها لأشخاص أجانب بدفع المال مقابل تجربة القنص على السكان المحاصرين في سراييفو.
وجمع غافاتسيني شهادات جديدة، أبرزها شهادة ضابط بوسني سابق أكد أن جهاز الاستخبارات الإيطالي SISMI كان على علم بتلك الممارسات وعمل على وقفها، إضافة إلى شهادة رئيسة بلدية سراييفو السابقة بينيامينا كارِتش التي كانت بدورها قد تقدمت بشكوى إثر عرض الوثائقي.
القتل المتعدد بدافع القسوة والوحشية
وتجري نيابة ميلانو بقيادة المدعي العام أليساندرو غوبّيس وبالتعاون مع وحدة ROS تحقيقًا بتهمة القتل المتعدد بدافع القسوة والوحشية، دون وجود مشتبه بهم رسميين حتى الآن، ومن المنتظر أن تستمع النيابة خلال الأيام المقبلة إلى شهادة غافاتسيني، وقد تستدعي لاحقًا رئيسة البلدية السابقة.
وفي تطور لافت، قدّمت النيابة طلبًا رسميًا لاسترجاع وثيقة ظلت مفقودة لسنوات: وهي الشهادة التي أدلى بها رجل الإطفاء الأمريكي جون جوردان عام 2007 أمام محكمة لاهاي الخاصة بجرائم يوغوسلافيا السابقة، وقد توجه جوردان إلى سراييفو متطوعًا خلال الحصار، وصرّح بأنه تعرض للنيران وشاهد قنّاصة أجانب لا يشبهون السكان المحليين، وأن بعضهم كان يُقاد مباشرة إلى مواقع القنص من قبل عناصر صربية، ويُعد جوردان أول من استخدم تعبير “السياح القنّاصة” لوصف هذا النوع من المشاركين.

وتتضمن شهادته التي نشرتها أفينيري بنصها الكامل تفاصيل صادمة، منها أن القنّاصة كانوا يستهدفون الأطفال وأصغر أفراد الأسرة لإحداث أكبر قدر من الألم والصدمة النفسية، وأنهم كانوا يختارون أحيانًا أجمل الفتيات عند إطلاق النار على مجموعات من الشابات، في سلوك يعكس وحشية وضراوة تتجاوز الأهداف العسكرية، وتركّز على تفكيك الأسر وتحطيم معنويات السكان.
وأكد جوردان أنه وإن لم يشاهد القنّاصة خلال إطلاق النار مباشرة، فقد رأى أجانب مجهولي الهوية يحملون أسلحة غير مألوفة في المنطقة، ويرتدون مزيجًا من الملابس المدنية والعسكرية، ويبدو عليهم عدم إلمام بطبيعة المكان أو تضاريسه، بينما يقودهم مقاتلون صرب إلى مواقع قنص معروفة.
وتختم صحيفة أفينيري تقريرها بالإشارة إلى أن هذه الشهادة، التي استُعيدت اليوم بعد ضياعها لسنوات، قد تكون مفتاحًا لكشف الحقائق الكاملة حول عمليات السياحة القاتلة التي مارسها بعض الأجانب على حساب دماء المدنيين خلال الحرب، وما إذا كانت إيطاليا طرفًا في تلك الشبكة المظلمة.
ومن جهة أخرى أكد ضابط استخبارات بوسني سابق بأن جهاز المخابرات الإيطالي الخارجي (Sismi) كان على علم بهذه الرحلات وأوقفها مطلع عام 1994.


