الخميس 18 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

إني اسميتها كرمة

القاهرة 24
الخميس 19/سبتمبر/2019 - 05:36 م

منذ أطلقت ابنتي صرختها الأولى في هذا العالم، وأنا أواجه أزمة تتعلق باسمها، بدأت منذ اليوم الأول مع موظفة السجل المدني، التي كان بداخلها إصرارٌ عجيب على أن تُقيد باسم “كارما” في شهادة الميلاد، في الوقت الذي تمسكتُ فيه بحقي في كتابتها كما يروق لي “كرمة”، الاسم الذي اخترناه سوياً أنا وزوجتي، وتكرر الأمر في كل مرة كان علي أن أملي اسمها لكتابته في ورقة رسمية في مركز التطعيمات، أو الحضانة، والمدرسة، والنادي، دون أن أحيد ولو لمرة عن كتابتها “كرمة”.

كان اختيار اسم “كرمة” انحيازاً له من بين الأسماء التي كانت تراودنا منذ بُشرى الطبيبة وهي تشير بإصبعها إلى شاشة السونار، أن المولود الذي في الأحشاء أنثى، ولستُ أنسى خفقة القلب حينها، تلك التي تضاعفت لحظة أن أمسكت “كرمة” لأول مرة يوم وُلدت بيدها الدقيقة إصبعي، ليتفجر في داخلي الإحساس بالمسئولية تجاهها، ولن أنكر أن الانحياز المبدئي لإسم “كرمة” لم يكن يجعلني محايداً عند مقارنته بأي اسم آخر، فقد كان يلوح في مخيلتي دوماً كروم العنب بكل ما تمنحه من ظلال وسكينة وصفاء روح، كما كان ينتصرُ عشقي لبيت أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي يُطلق عليه “كرمة بن هانئ” والذي كان صومعة إبداعاته الخالدة.

فإذا كانت راحتي الأولى في الجلوس في مواجهة البحر، فالمكان الآخر الذي أجد فيه راحتي هو وسط كروم العنب أينما وجدت، حيثُ أجلس مُستظلاً بأوراقها وفروعها التي تمتد فوقي زاحفة على أعمدة وسطح التكعيبة، تحجب عني أذى أشعة الشمس، دون أن تمنع نسمات الهواء من التسلل من بين ثنايا أوراق الكروم وثمارها، لتصل إلي مُحملة بعبق رائحة العنب الناضج الذي ينتظر موعد القطاف، فالجلوس داخل “كرمة” من كروم العنب، ينقلني إلى حالة خاصة، لأشعر كأني أقضي لحظات في جنة قطوفها دانية.

أكتب هذه الكلمات بينما نبتهج بمرور ٥ أعوام على الصرخة الأولى لابنتي “كرمة”، التي إمتزجت يومها بآذان الفجر، لعل كلماتي تشفع لي كوني اخترت لها إسماً يثير اللغط والمتاعب، وربما لأوصي ابنتي حين يكون عليها أن تُملي اسمها بنفسها، أن تتمسك بأن يُكتب “كرمة”، الاسم الذي أخترناه لها رجاءاً في أن تكون لنا “كرمة” تحمل معاني الظل والسكينة وصفاء الروح.

حفظ الله أبناءنا من كل سوء.

تابع مواقعنا