من الجبهة إلى الشاشة.. كيف خلد الفن بطولات حرب أكتوبر؟
رغم مرور أكثر من خمسين عامًا على نصر أكتوبر المجيد، ما زال هناك أبطالا لم تكتب عنهم الكتب، ولم تذكرهم نشرات الأخبار، لكنهم تركوا أثرًا خالدًا في صفحات التاريخ.
فبينما كانت الدبابات تتقدم على الجبهة، كان هناك جنودا يعملون في صمت داخل المستشفيات الميدانية، ومهندسون يسهرون لتأمين الكباري العائمة، وعمال يصنعون الذخيرة في مصانع بعيدة عن الضوء.
تلك الوجوه المجهولة هي التي حملت على عاتقها الجانب الإنساني للحرب؛ فالممرضة التي عالجت الجرحى في ظل القصف، والمجند الذي نقل المصابين تحت النار، كلاهما كان جنديًا في معركة الصمود.
ولأن الفن مرآة المجتمع وصوت الذاكرة، فقد حاول كثير من المبدعين تخليد هذه البطولات في أعمالهم، من السينما إلى الدراما والمسرح، فالأفلام التي تناولت نصر أكتوبر لم تكتفِ بتصوير المدافع والدبابات، بل غاصت في أعماق الإنسان المصري الذي واجه الخوف بالأمل، والضعف بالقوة، واليأس بالإيمان.
ومع كل ذكرى لانتصار أكتوبر، تظل حكايات الأبطال المنسيين تلهم المخرجين والكتّاب لتقديم أعمال جديدة تُعيد للأذهان معنى التضحية، وتذكّرنا أن النصر لا يتحقق فقط بالبندقية، بل بالفن الذي يوثّق ويخلّد، وبالإيمان والعمل والإصرار.
كيف خلد الفن بطولات حرب أكتوبر؟
من أبرز الأعمال السينمائية التي تناولت بطولات الحرب: فيلم أغنية على الممر الذي غُرض عام 1972، والذي يُعد من أوائل الأعمال التي مهدت دراميًا لأجواء الحرب، حيث تدور أحداثه حول فصيلة مشاة مصرية يتم حصارها خلال حرب 1967 وهم يدافعون عن أحد الممرات الاستراتيجية في سيناء ويرفضون الاستسلام. يستعرض الفيلم مشاعر الجنود في أثناء الحصار، بين الإحباط والذكريات والطموحات الإنسانية، ليقدّم لوحة مؤثرة عن الصمود رغم الألم.
فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي عُرض عام 1974، ويُعتبر من أشهر أفلام حرب أكتوبر، إذ يروي قصة الجندي محمد الذي يعود محطمًا بعد نكسة 1967، ثم يشارك في حرب أكتوبر ويحقق النصر، ليعود مرفوع الرأس ويحمل في جيبه رصاصة تذكّره بما ضحّى به. يجمع الفيلم بين البطولة والعاطفة، وبين الجرح والأمل في آن واحد.
فيلم الوفاء العظيم، هو عمل درامي يجمع بين الرومانسية والوطنية، تدور أحداثه حول قصة حب تتقاطع مع أجواء الحرب، إذ يشارك أبطال الفيلم في معارك أكتوبر لتتغير حياتهم مع تحقيق النصر، في رسالة رمزية عن غلبة الإخلاص والوفاء على كل انكسار.
فيلم الصعود إلى الهاوية 1978، من أبرز أفلام الجاسوسية التي تناولت فترة ما قبل وأثناء الحرب، وتدور أحداثه حول فتاة مصرية تجندها المخابرات الإسرائيلية للتجسس على بلادها، لكن المخابرات المصرية تنجح في كشفها وخداعها حتى تعود إلى القاهرة، حيث تُحاكم وتُعدم. يُعد الفيلم من كلاسيكيات السينما الوطنية التي جسدت بطولة المخابرات المصرية في حماية الوطن.
ومهما مرّت السنوات، سيظل الفن هو الذاكرة الحيّة التي تحفظ ملامح الأبطال وتُعيد نبض المعركة إلى الأجيال الجديدة، فكل مشهد صادق في فيلم، وكل لحن مستلهم من البطولة، هو امتداد لروح أكتوبر التي لا تموت، تلك الروح التي تؤكد أن النصر لا يُقاس فقط بعدد الدبابات أو مساحة الأرض، بل بما يبقى في الوجدان من عزيمة وصمود، وبما يُخلّده الفن من قصص لا تعرف النسيان.
