يديعوت أحرونوت: الموساد صنع أسطورة أشرف مروان للتغطية على هزيمة إسرائيل التاريخية في حرب أكتوبر
كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في الجزء الثاني من تحقيقها المطول ملاك الأكاذيب، أن جهاز الموساد الإسرائيلي عمل طوال 5 عقود على ترويج رواية مزيفة عن الجاسوس المصري أشرف مروان، الذي وصفته الأوساط الإسرائيلية بأنه أعظم جاسوس خدم إسرائيل، بينما تؤكد الوثائق الجديدة أنه كان جزءًا من خطة الخداع الاستراتيجي التي نفذتها القاهرة قبيل حرب أكتوبر 1973.
الملاك أشرف مروان
التحقيق الذي أعده الصحفيان رونين بيرجمان ويوفال روبوفيتز، أشار إلى أن الموساد سعى بعد الهزيمة إلى حماية سمعته عبر بناء أسطورة استخباراتية حول مروان، مدعيًا أنه المصدر الذي حذر من اندلاع الحرب، في حين أثبتت الوثائق والشهادات الجديدة أن مروان نقل معلومات مضللة متعمدة ساهمت في نجاح الخطة المصرية وتحقيق المفاجأة.
وفي الذكرى الخمسين للحرب، أصدر الموساد كتابًا خاصًا بعنوان "كان يا مكان حين كان من الجائز أن نروي: الموساد وحرب يوم الغفران"، بموافقة رئيس الجهاز ديفيد برنيع، حاول من خلاله تثبيت الرواية الرسمية التي تبرئ الموساد وتحمّل جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلي مسؤولية التقصير.
وجاء الكتاب مكرسًا لتسفي زامير، رئيس الموساد أثناء الحرب، وقدمه كمن حاول دون جدوى إقناع القيادة بجدية التهديد المصري.
إلا أن التحقيق أكد أن زامير نفسه لم يصدق التحذيرات التي نسبها لاحقًا إلى مروان، وأن محاضر الاجتماع الأخير بينهما في لندن ليلة الخامس من أكتوبر 1973 أظهرت أن مروان كان يعلم بموعد الحرب ولم يفصح عنه، كما كشفت الوثائق أن جملة حاسمة من برقية التلكس التي أرسلها ضابط الموساد إلى تل أبيب حُذفت عمدًا، وهي الجملة التي تضمنت التاريخ الدقيق للهجوم، ما غيّر مجرى الأحداث.
وأشار التقرير إلى أن اللجان الإسرائيلية التي فُتحت بعد الحرب كانت تميل لتبرئة الموساد في مقابل تحميل المخابرات العسكرية المسؤولية، فيما رفضت تلك اللجان النظر في احتمال أن يكون مروان عميلًا مزدوجًا، متذرعة بأن المصريين لم يكونوا قادرين على تنفيذ عملية خداع بهذا التعقيد، ووصف التحقيق هذا التبرير بأنه عنصري وساذج، مؤكدًا أن الاستخبارات المصرية نجحت في تضليل نظيرتها الإسرائيلية بعملية محكمة الإعداد.
عدد من ضباط الاستخبارات الإسرائيلية السابقين أكدوا في تصريحاتهم للصحيفة أن مروان كان يؤدي مهمة وطنية مصرية، وأن المعلومات التي نقلها للموساد كانت جزءًا من خطة الخداع التي مهدت للنصر المصري في أكتوبر، من بينهم العقيد بيساح مالوفني من وحدة 8200، وآفي ليفينا من كبار ضباط الموساد، اللذان أشارا إلى أن عملية الخداع كانت متقنة وفعالة.
كما لفت التحقيق إلى المفارقة التي حدثت بعد تسريب هوية مروان عام 2002، حيث استقبلته القاهرة استقبال الأبطال، وفي عام 2007، عندما عُثر على الملاك ميتًا في لندن، صرّح الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك لوسائل الإعلام بأن مروان قدّم مساهمة فريدة للأمن المصري، وأمر بإقامة جنازة عسكرية رسمية له، هي الأكبر من نوعها منذ اغتيال السادات، وتساءلت الصحيفة: هكذا يُعامل البطل الوطني، لا الخائن وقد نُسي هذا الجزء أيضًا من كتاب الموساد.
وفي ختام التحقيق، أوضحت الصحيفة أن الأصوات داخل إسرائيل المطالبة بإعادة فتح ملف مروان لا تزال تواجه برفض من الموساد الذي يصر على التمسك بروايته القديمة واعتبر عدد من الخبراء أن تجاهل مراجعة هذا الإخفاق التاريخي جعل إسرائيل تكرر أخطاء الماضي، في إشارة إلى الهجوم المفاجئ الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023.
ويرى معدّا التحقيق أن قصة أشرف مروان تمثل نموذجًا كلاسيكيًا لفشل الاستخبارات الإسرائيلية في قراءة نيات خصومها، وأن بناء الأساطير حول الجواسيس لم يكن سوى محاولة للهروب من مسؤولية الهزيمة التاريخية في حرب أكتوبر.






